يدخل الجنة إلا من كان هودا. وتطور الوضع إلى أن بدأت هذه الفكرة تتحول إلى اتجاهات عدوانية ضد الأمم ، فكانوا المتأمرين والدساسين والمخربين. وقد عرض القرآن لهذه الفكرة في أكثر من آية ، وناقشها ، وتحدث إليهم بكل وضوح بأنهم بشر ممن خلق ، وليست لهم أية ميزة ذاتية أو إلهية في أي جانب من الجوانب. وهذه من بعض الآيات التي جاءت على سبيل التحدي الوارد من قبيل المباهلة ، التي تريد أن تتحدى كل المشاعر الداخلية التي تلتقي فيها مسألة الحياة والموت ، لتكشف زيف الإيمان الذي يدعونه ، وبطلان الموقع الذي يضعون أنفسهم فيه.
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) وانتموا إلى اليهودية التي تمثل الرسالة الإلهية التي أنزلت على موسى : (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) في ما تزعمونه لأنفسكم من المنزلة الكبيرة عند الله ، لأن الله اختاركم من بين عباده لتكونوا شعبه الذي يحبه ويختاره ويقربه إليه ، فتكون لكم الدرجة العليا التي تميزكم عن الآخرين ، (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) لأن الإنسان المؤمن لا يكره لقاء الموت إلا من جهة خوفه من حساب الله ، في ما أخطأ فيه من ذنوبه وفي ما مارسه من المواقف التي تبعده عنه ، أما إذا كان واثقا من قربه إلى الله وسلامته من العقاب ، وحصوله على الثواب ، فإنه يتمنى الموت ليحصل على نعيم الله ورضوانه في رحاب جنته ، وبذلك تكون الآخرة خيرا له من الأولى.
وعلى ضوء هذا ، فإن كنتم صادقين في دعواكم هذه المنزلة الرفيعة عند الله ، فتمنوا الموت ، واقتحموه في ساحات الجهاد ، وانطلقوا إلى كل مواقع الخطر في سبيل الله ، (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فقد عرفوا من خلال الواقع الذي يعيشونه أنهم غير صادقين في ما يدّعونه ، بل كل ما هناك أنهم أرادوا أن يفرضوا الاستعلاء العنصري اليهودي على الناس من موقع القداسة ، من دون أن يكون هناك أية حقيقة في ذلك ، مستغلّين جهل الناس بالتوراة ، وبعدهم عن المعرفة الدينية ، كما نراه لدى الكثيرين الذين يعملون على تغذية