شيئا في ميزان القيم ، فإن الله لا يحتاج إلى إيمانهم ، بل إنهم يحتاجون إلى الإيمان للوصول إلى النتائج الصالحة في حياتهم الخاصة من خلال ما يحققه الإيمان لهم من طمأنينة الروح ، وصفاء النفس ، ووحدة الشخصية ، ووضوح الهدف ، وقوة الموقف من خلال الارتباط بقوة الله. ولهذا ، فإن مسألة الكفر لا تضر الله شيئا (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عن إيمانهم وعن وجودهم ، ولهذا فلن يضره أن يعذبهم ويهلكهم ويلقيهم في نار جهنم ، (وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) فلا حاجة به لأحد من خلقه ، وهو المحمود في فعله مهما فعل بهم.
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) فقد اعتبروا الحياة الدنيا نهاية المطاف ، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، وما نحن بمبعوثين ، لأنهم لم يسمحوا لأنفسهم أن يدرسوا المعنى العبثي في وجودهم إذا لم تكن هناك عناية حكيمة ينتهي إليها أمر الوجود.
(قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) فهذه هي الحقيقة التي أوحى بها الله إلي في ما يعلمه من حدود خلقه في مسألة البداية والنهاية ، مما لا بد من أن يؤمنوا بها انطلاقا من أن العقل لا يرفض ذلك ، ومن أن الوحي يؤكد ذلك. وإذا كانوا قد قالوها نفيا بطريق الجزم الذي لا أساس له لأنهم لا يملكون عليه دليلا ، لأن أقصى ما عندهم أن يثيروا الشك فيه إذا لم يكن لهم دليل قاطع على الإثبات ، فإن عليك يا محمد أن تؤكد المسألة إيجابا بطريق القطع ، لأنك تملك من الأدلة القاطعة ما يمنحك الجزم بذلك في نفسك ومع كل الذين يحتاجون إلى المعرفة من الناس. ولا تقتصر على تقرير الموضوع في طبيعته الذاتية ، بل ركز المسألة في نطاق الإيحاء بالمسؤولية المستقبلية في وجودهم الأخروي ، في ما قدموه من عمل الشر. (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) في ما أحصاه الله من صغير الأعمال وكبيرها ، لتواجهوا المسؤولية بشكل دقيق. (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ، لأن الذي خلق الخلق كله ، لا يعجزه إحصاء أعمالهم بعلمه الذي لا يغيب عنه شيء من شؤون خلقه.