(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) وأعرضتم عن ذلك ، وانحرفتم عن الخط المستقيم ، وانطلقتم لتخططوا لأنفسكم خطا ذاتيا في خطّ السير ، أو لتتبعوا شرائع الآخرين وأفكارهم في حركة الانتماء والتشريع والممارسة ، فلن يكرهكم الرسول على القبول بالانسجام معه في خطّ الطاعة ، في ما هو أسلوب الدعوة القائم على مخاطبة الإنسان على أساس الإرادة الحرة في اختيار الموقف ، ليتحمل مسئوليته في الجانب السلبي أو الإيجابى ، تبعا للموقف الذي يتبناه ، حيث تكون مهمة الرسول ، أو الداعية الذي ينطق باسم الرسول القيام بتقديم كل الوسائل التي تدفع إلى تكوين القناعة لمصلحة الدعوة ، وتوفير كل الأجواء الملائمة لذلك ، بالكلمة والأسلوب ، (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) من دون ضغط أو إكراه.
وهكذا تؤكد هذه الفقرة من الآية من أن هناك طاعة للرسول ، بالإضافة إلى طاعة الله. ولكن ذلك لا يعني أن هناك استقلالا مولويا في ما يمثله الرسول في أوامره ونواهيه ، بل يعني أن الله أوكل للرسول أمورا معينة في تفاصيل التشريع وفي شؤون الولاية ، مما يجعل هناك نسبة خاصة في الموضوع إلى الرسول الذي لا ينطلق في ذلك إلا من خلال الخطوط الواضحة التي وضعها الله ، وأراده أن يسير عليها ، ويتحرك من خلالها ، بحيث تكون طاعته امتدادا لطاعة الله ، وهذا ما جاء في الآية الكريمة (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) [النساء : ٦٤] وقوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠].
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فهذه هي الحقيقة التوحيدية التي لا بد من أن تلتزموها في خط التصور العقيدي ، وفي حركة الطاعة العملية ، لتكون الطاعة لله في الخط المباشر لمعنى التوحيد ، وتكون الطاعة للرسول من خلال صفته الرسالية المتصلة بالله تأكيدا لذلك. (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)