الدنيا بكل زخارفها وزينتها وشهواتها ولذاتها ، تحت قدميها ، ولكنها رفضت ذلك كله عند ما اكتشفت الإيمان بالله ، وعاشت في خط العبودية له ، وذاقت طعم مناجاته في حالة الخشوع الروحي والخضوع الجسدي في لحظات السجود الذي كان يرتفع بروحها إلى الدرجات العليا الروحانية في رحاب الله ، فاحتقرت زوجها وملكه ، وكل هؤلاء الخاضعين له ، المتزلفين له ، اللاهثين وراء ماله وسلطانه ، ليحصلوا على شيء منهما ، ورأت نفسها غريبة بينهم ، لأنها تعيش غربة الروح والفكر والشعور عن كل أوضاعهم وعاداتهم ومنطقهم الكافر ، ونظرت إلى الدار الواسعة التي هي في رحابة القصور الملكية التي تحيط بها الجنائن النضرة وتجري الأنهار من تحتها ، فشعرت بالاختناق الروحي فيها ، فصرخت في ما يشبه الاستغاثة في خلوتها الروحية بين يدي الله الذي كانت تراه بعين إيمانها القلبي ، (إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) ، لأنه البيت الذي أعيش فيه في جنة رضوانك ، وأحس فيه بسعادة الروح إلى جانب نعيم الجسد ، فلا أحس بأيّ حزن مما يحسّ به الناس في الدنيا ، لأنني لا أجد هناك أيّ حرمان يوحي بالألم أو بالحزن الداخلي ، فهذا هو الحلم الكبير الذي أتطلع من خلاله إلى السعادة المطلقة ، فأنا الإنسانة التي أشعر بالتعاسة القاسية ، في ما يشعر به الناس بالسعادة التي تلتقي عندها أحلامهم ، وأشعر بالسعادة في ما لا يبالي فيه الناس في أفكارهم.
(وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) في علوّه الاستكباري ، وفي ظلمه للمستضعفين من الناس ، وفي طغيانه على الحياة والحقيقة ، وفي تمرّده على الله ، فإني لا أطيق الحياة معه ، لأني أتصوره كما يتصور الإنسان الوحش إذا أقبل عليه أو عاش معه ، ولذا ، فإن نجاتي منه هي حلم حياتي الكبير.
(وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين يمثلون المجتمع الفرعوني الذين يزينون له طغيانه وجبروته ، ويضخمون له شخصيته ، ويدعمون ظلمه واستكباره ، ليكونوا قاعدة الظلم الذي يمارسه في ما يشرّعون له من قوانينه ،