وفي ما ينفذونه من خططه ومشاريعه.
وهكذا نجد في هذه المرأة المؤمنة التي عاشت في أعلى درجات السلم الاجتماعي ، التي يضعف الأقوياء أمامها فيسقطون وتسقط معهم مبادئهم ، المثال الحيّ للمرأة القويّة التي تجمعت فيها كل عناصر القوّة ، من الروحية العالية ، والإرادة الحديدية ، والوعي العميق لكل خلفيات الواقع الفاسد الذي يحيط بها ، لتعطي الدرس الكبير لكل الذين يتعلّلون في تبرير انحرافهم بالبيئة الفاسدة التي يعيشون فيها ، فلا يملكون إلا الخضوع لضغوطها الشديدة ، لتقول لهم بأنهم لم يبلغوا في انحراف مجتمعهم ما بلغه مجتمعها الخاص والعام من خطورة الانحراف ، ولم يعيشوا في قلب الإغراء كما عاشت فيه ، ولكن الفرق بينها وبينهم ، أنهم عاشوا الانبهار بالواقع المحيط بهم ، عند ما استغرقوا فيه ، فسقطوا في أوحاله ، أمّا هي فقد ارتفعت بروحها وعقلها عنه ، وحدّقت فيه تحديقه الإنسان الواعي الذي يريد أن يرى العمق الداخلي ليكتشف ما في داخله من أوساخ وأدران ونقاط ضعف ، ليتخذ موقفه من خلال وعي العمق ، لا من خلال سذاجة السطح.
وبذلك ، استطاعت أن تتجاوز الضعف الأنثوي ، لترتفع إلى درجة القوة الإنسانية الإيمانية التي تتقدم فيها على الرجال في إرادتها القوية وقرارها الحاسم ، لتكون أمثولة للرجال والنساء من المؤمنين ، ليرتفعوا إلى مواقع السموّ التي بلغتها من خلال الوعي الإيماني في شخصيتها الإنسانية.
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) في تعبير كنائي عن طهارتها وعفتها التي استطاعت أن تحافظ عليها من خلال قوّتها الروحية الإيمانية ، وأن تواجه قومها الذين أرادوا أن يتهموها في أخلاقها ، بكل قوّة وصلابة وشموخ فلم تضعف أمامهم ، فاستمدت القوّة من الله (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) فجعلناها وابنها آية للعالمين (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) التي أوحى بها إلى رسله