أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (١) وفي موضع آخر من الكتاب يعدّ سبحانه التوحيد في العبادة : الأصل المشترك بين جميع الشرائع السماوية ، إذ يقول : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) (٢) ، ومعه كيف يأمر بسجود الملائكة لآدم الذي هو من مصاديق الخضوع النهائي؟ وهذا الإشكال لا يندفع إلّا بنفي كون الخضوع عبادة ، ببيان أنّ للعبادة مقوّماً لم يكن موجوداً في سجود الملائكة لآدم.
ولم يكن آدم فحسب هو المسجود له بأمره سبحانه ، بل يوسف الصدّيق كان نظيره ؛ فقد سجد له أبواه وإخوته ، وتحقّق تأويل رؤياه بنفس ذلك العمل ، قال سبحانه حاكياً عن لسان يوسف عليهالسلام : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٣).
كما يحكي تحقّقه بقوله سبحانه : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) (٤) ومعه كيف يصحّ تفسير العبادة بالخضوع أو نهايته؟
إنّه سبحانه أمر جميع المسلمين بالطواف بالبيت الذي ليس هو إلّا حجراً وطيناً ، كما أمر بالسعي بين الصفا والمروة ، قال سبحانه : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٥) وقال سبحانه : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(١).
__________________
(١) الأنبياء : ٢٥.
(٢) آل عمران : ٦٤.
(٣) يوسف : ٤.
(٤) يوسف : ١٠٠.
(٥) الحج : ٢٩.
(٦) البقرة : ١٥٨.