الجلالة.
وإن شئت قلت : إنّه كناية عن الخالق أو المدبّر المتصرّف أو من يقوم بأفعاله وشئونه ، والمناسب في هذا المقام هو الخالق ، ويلزم من تعدّده ما رتّب عليه في الآية من ذهاب كلّ إله بما خلق واعتلاء بعضهم على بعض.
ولو جعلناه بمعنى المعبود لانتقض البرهان ، ولا يلزم من تعدّده أيّ اختلال في الكون. وأدلّ دليل على ذلك هو المشاهدة ؛ فإنّ في العالم آلهة متعدّدة ، وقد كان في أطراف الكعبة المشرّفة ثلاثمائة وستّون إلهاً ومع ذلك لم يقع أيّ فساد أو اختلال في الكون.
فيلزم من يفسّر (الإله) بالمعبود ارتكاب التكلّف بما ذكرناه في الآية المتقدمة.
٣ ـ (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) (١) فإنّ ابتغاء السبيل إلى ذي العرش من لوازم تعدّد الخالق المدبّر المتصرّف ، أو من بيده أزمّة أُمور الكون أو غير ذلك ممّا يرسمه في ذهننا معنى الألوهية ، وأمّا تعدّد المعبود فلا يلازم ذلك إلّا بالتكلّف الذي أشرنا إليه فيما سبق.
٤ ـ (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) (٢) والآية تستدلّ بورود الأصنام والأوثان في النار ، على بطلان كونها آلهة؛ إذ لو كانت آلهة ما وردوا النار.
والاستدلال إنّما يتمّ لو فسّرنا الآلهة بما أشرنا إليه ؛ فإنّ خالق العالم أو مدبّره والمتصرّف فيه أو من فوّض إليه أفعال الله أجلّ من أن يُحكم عليه بالنار وأن يكون حصب جهنم.
وهذا بخلاف ما إذا جعلناه بمعنى المعبود فلا يتمّ البرهان ؛ لأنّ المفروض أنّها كانت معبودات وقد جعلت حصب جهنّم. ولو أمعنت في الآيات التي ورد فيها لفظ
__________________
(١) الإسراء : ٤٢.
(٢) الأنبياء : ٩٨ ـ ٩٩.