حصر العبادة في الله سبحانه حيث حصر الربوبية به دون غيره ، فتدلّ بصراحة على أنّ العبادة من شئون الربوبية ، وإليك بعض الآيات :
وقال المسيح :
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) (١). (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢). (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٣).
وإذا عرفت هذين الأمرين :
١ ـ الربّ من فوّض إليه تدبير الشيء وإصلاحه وتربيته.
٢ ـ إنّ الآيات تعلّل حصر العبادة في الله بكونه ربّاً.
فستعرف أنّ اتّسام الخضوع ، والسؤال والدعاء بالعبادة من شئون الاعتقاد بكون المخضوع له ربّاً بيده مسير الخاضع ومصيره ، وإن شئت قلت : بيده شأن أو شئون مَن حياته الدنيوية أو الأُخروية بيده ، فالخضوع المقرون بهذا الاعتقاد يُضفي عليه عنوان العبادة.
وليعلم أنّ المراد من كون الرب مالكاً لشأن من شئون حياته ليس المراد هو المالكية القانونية والوضعية التي تُعطى للإنسان حيناً وتسلَب عنه حيناً آخر ، بل المراد المالكية التكوينية المستمدّة من الخالقية كما في الإله الأعلى أو من تفويض الإله الأعلى لها ، كما هو الحال عند آلهة المشركين ـ على زعمهم ـ الذين يعتقدون بأنّه سبحانه فوّض إليهم بعضَ شئون حياتهم ، كغفران الذنوب والشفاعة ، بل يظهر ممّا نقله ابن هشام في سيرته أنّ الشرك دخل مكّة في صورة الشرك في الربوبية فيما يرجع إلى الاستمطار ، يقول ابن هشام :
__________________
(١) المائدة : ٧٢.
(٢) الأنبياء : ٩٢.
(٣) آل عمران : ٥١.