ولمّا كانت فتوى الإمام ثقيلة على محقق الكتاب ، أو من علّق عليه لأنّها تتناقض مع ما عليه الوهابية وتبطل أحلام ابن تيمية ، ومن لفَّ لفَّه ، حاول ذلك الكاتب أن يوفّق بين جواب الإمام وما عليه الوهابية في العصر الحاضر ، فقال : «أمّا مسّ منبر النبيّ فقد أثبت الإمام ابن تيمية في الجواب الباهر (ص ٤١) فعله عن ابن عمر دون غيره من الصحابة ، وروى أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (٤ / ١٢١) عن زيد بن الحباب قال : حدّثني أبو مودود قال : حدّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال : رأيت نفراً من أصحاب النبيّ إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى زمانة المنبر القرعاء فمسحوها ، ودعوا قال : ورأيت يزيد يفعل ذلك.
وهذا لما كان منبره الذي لامس جسمه الشريف ، أمّا الآن بعد ما تغيّر لا يقال بمشروعيّة مسحه تبرّكاً به».
ويلاحظ على هذا الكلام : بعد وجود التناقض بين ما نقل عن ابن تيمية من تخصيص المسّ بمنبر النبيّ بابن عمر ، وما نقله عن المصنّف لابن أبي شيبة من مسح نفر من أصحاب النبيّ رمانة المنبر :
أوّلاً : لو كان جواز المسّ مختصّاً بالمنبر الذي لامسه جسم النبي الشريف دون ما لا يمس كان على الإمام المفتي أن يذكر القيدَ ، ولا يُطلق كلامَه ، حتّى ولو افترضنا أنّ المنبر الموجود في المسجد النبوي في عصره كان نفسَ المنبر الذي لامسَه جسمُ النبيّ الأكرم ، وهذا لا يغيب عن ذهن المفتي ، إذ لو كان تقبيل أحد المنبرين نفس التوحيد ، وتقبيل المنبر الآخر عينَ الشرك ، لما جاز للمفتي أن يغفل التقسيم والتصنيف.
وثانياً : أنّ ما يفسده هذا التحليل أكثر ممّا يصلحه ، وذلك لأنّ معناه أنّ لجسمه الشريف تأثيراً في المنبر وما تبرّك به ، وهذا يناقض التوحيد الربوبي من أنّه لا مؤثّر في الكون إلّا الله سبحانه ، فكيف يعترف الوهّابي بأنّ لجسمه الشريف في الجسم الجامد تأثيراً وأنّه يجوز للمسلمين أن يتأثروا به عبر القرون.