وما ورد من الآيات في السؤال كلّها من هذا القبيل ؛ فإنّها وردت في حقّ المشركين القائلين بألوهية أصنامهم وأوثانهم باعتقاد استقلالهم في التصرّف والشفاعة وتفويض الأُمور إليهم ولو في بعض الشئون. ففي هذا المجال يعود كلّ دعاء عبادة ، ويفسر الدعاء في الآيات الماضية والتالية بالعبادة ، قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) (١). (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (٢). (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (٣). (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) (٤). (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) (٥). وما ورد في الأثر من أنّ الدعاء مُخّ العبادة ، أُريد منه دعاء الله أو دعاء الآلهة لا مطلق الدعاء وإن كان المدعوّ غير إله لا حقيقةً أو اعتقاداً.
وفي روايات أئمّة أهل البيت إلماع إلى ذلك ، يقول الإمام زين العابدين في ضمن دعائه : «... فسمّيتَ دعاءك عبادة وتركه استكباراً وتوعّدت على تركه دخول جهنم داخرين» (٦) وهو يشير في كلامه هذا إلى قوله سبحانه : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٧).
هذا هو الدعاء المساوي للعبادة ، وهناك قسم آخر منه لا صلة بينه وبين
__________________
(١) الأعراف : ١٩٤.
(٢) الإسراء : ٥٦.
(٣) الإسراء : ٥٧.
(٤) يونس : ١٠٦.
(٥) فاطر : ١٤.
(٦) الصحيفة السجادية ، دعاؤه برقم ٤٥.
(٧) غافر : ٦٠.