إنّ الآية تحدّد الدعوة التي تُعَد عبادة بجعل المخلوق في رتبة الخالق سبحانه كما يفصح عنه قوله : (مع الله) (١) وعلى ذلك فالمنهيُّ هو دعوة الغير ، وجعله مع الله ، لا ما إذا دعا الغيرَ معتقداً بأنّه عبدٌ من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا بعثاً ولا نشوراً إلّا بما يتفضل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته ، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى الله سبحانه.
وبذلك يبدو أنّ ما تدل عليه الآيات القرآنية من أنّ طلب الحاجة من الأصنام كان شركاً في العبادة ، إنّما هو لأجل أنّ المدعوّ عند الداعي كان إلهاً أو ربّاً مستقلاً في التصرف في شأن من شئُون وجوده أو فعله. قال سبحانه : (الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (٢) ترى أنّه سبحانه يستنكر دعاءهم بقوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) وقوله : (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) (٣) مُذكِّراً بأنّ عقيدتهم في حق هؤلاء عقيدة كاذبة وباطلة فالأصنام لا تستطيع نصرة أحد ، وهذا يكشف عن أنّ الداعين كانوا على جانب النقيض من تلك العقيدة وكانوا يعتقدون بتملّك الأصنام لنصرهم وقضاء حوائجهم من عند أنفسهم.
وحصيلة البحث : أنّ الدعاء ليس مرادفاً للعبادة ، وما ورد في الآية والحديث من تفسير الدعاء بالعبادة لا يدل على ما يراه المستدِلّ ، فالمراد من الدعاء فيهما قسمٌ خاصٌّ منه ، وهو الدعاء المقترن باعتقادِ الألوهية في المدعو والربوبيّة في المطلوب منه كما عرفت.
__________________
(١) النمل : ٦٠ وغيرها.
(٢) الأعراف : ١٩٧.
(٣) الأعراف : ١٩٤.