والمقصود في المقام هو المعنى الأوّل.
وقال الراغب : الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء ولا اقتداء ، والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستنّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدّمة وأُصولها المتقنة (١).
وقال الفيروزآبادي : البدعة ـ بالكسر ـ الحدث في الدين بعد الإكمال أو ما استحدث بعد النبي من الأهواء والأعمال (٢).
إلى غير ذلك من الكلمات المماثلة للّغويين ، ولا نطيل الحديث بنقل غير ما ذكر.
والإمعان في هذه الكلمات يثبت بأنّ البدعة في اللغة وإن كانت شاملة لكلّ جديد لم يكن له مماثل سواء أكان في الدين ، أم العادات ، كالأطعمة والألبسة والأبنية والصناعات وما شاكلها ، ولكن البدعة التي ورد النص على حرمتها هي ما استحدثت بعد رسول الله من الأهواء والأعمال في أُمور الدين ، وينصّ عليه الراغب في قوله : «البدعة في المذهب إيراد قول لم يستنّ قائلها وفاعلها فيه» ، ونظيره قول القاموس : «الحدث في الدين بعد الإكمال».
كل ذلك يعرب عن أنّ إطار البدعة المحرّمة ، هو الإحداث في الدين ، ويؤيّده قوله سبحانه في نسبة الابتداع إلى النصارى بإحداثهم الرهبانية وإدخالهم إيّاها في الديانة المسيحية، قال سبحانه: (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) (٣).
فقوله سبحانه : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) يعني ما فرضناها عليهم ولكنّهم نسبوها
__________________
(١) المفردات : ص ٣٨ و ٣٩.
(٢) القاموس المحيط ٣ : ٦.
(٣) الحديد : ٢٧.