من مجموع الخطابات الواردة في الأدلّة. وإليك بيان ودراسة تلك الأدلّة تفصيلاً :
١ ـ تضافرت الآيات على ذمّ عمل المشركين حينما كانوا يقسمون رزق الله إلى ما هو حلال وحرام فجاء الوحي مندِّداً بقوله : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (١) وفي آية أُخرى يعدّ عملهم افتراءً على الله كما يقول : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (٢) ومن المعلوم أنّ المشركين كانوا ينسبون الحكمين إلى الله سبحانه ، وأنّه سبحانه قد جعل منه حلالاً وحراماً ، فكان عملهم بدعة في الدين.
٢ ـ وقفت في التمهيد ، أنّه سبحانه يصف من لم يحكم بما أنزل الله ، بكونه كافراً وظالماً وفاسقاً ومن المعلوم أنّ أحبار اليهود كانوا يحرّفون الكتاب فيصفون ما لم يحكم به الله ، بكونه حكم الله ، قال سبحانه : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٣) فقوله (هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) صريح في أنّهم كانوا يتدخّلون في الشريعة الإلهية فيعرِّفون ما ليس من عند الله على أنّه من عند الله ، وهذا يؤكد بأنّ الموضوع في هذه الآية وأمثالها هو البدعة في الدين لا مطلقها.
٣ ـ ذمّ الله سبحانه الرهبان لابتداعهم ما لم يكتب عليهم ، قال سبحانه : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) (٤) ومعنى الآية أنّهم كانوا ينسبون الرهبانية إلى شريعة المسيح مدّعين بأنّه هو الذي شرع لهم ذلك العمل ، والقرآن يردّهم بقوله : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ).
٤ ـ أنّه سبحانه وصف أهل الكتاب بأنّهم اتّخذوا رهبانهم وأحبارهم أرباباً
__________________
(١) يونس : ٥٩.
(٢) النحل : ١١٦.
(٣) البقرة : ٧٩.
(٤) الحديد : ٢٧.