وقد نسكوا وذبحوا للأصنام واستقسموا بالأزلام ، مترددون في حيرة الضلالة ، كلما ازدادوا «في ضلالهم جهلا» (١) وفي عبادتهم جهدا ازدادوا من الله بعدا ، حتى تصرمت عنهم مدة البلاء بقيام محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم يدعوهم إلى النجاة ، ويضمن لهم الظفر في الدنيا الماضية وحسن المثوبة في الآخرة ، ويخبرهم عن القرون الماضية كيف نجا من نجا منهم بالاستجابة لرسلهم ، وكيف بعث العذاب على من تولى منهم ، وسألهم أن ينظروا إلى آثارهم وديارهم خاوية على عروشها ، كيف تركوها وما فيها؟ فقال : يا قوم احذروا مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود ، فأبوا إلّا التكذيب بالتوحيد ، واستعظموا أن يجعلوا الآلهة إلها واحدا.
فلما أمر أن يجاهد بمن أطاعه من عصاه وكبر عليه مجاهدة الكثير من المشركين بالقليل من المسلمين ضمن الله له عاقبة العلو والظفر ، وشد له أزره وأعانه بابن عمه وابن صنو أبيه ، وشريكه في نسبته (٢) ، ومؤنسه في وحدته من الشجرة المباركة فرعا هما ، دعا فاستجاب له على ضراعة الضرع الصغير من سنه ، حتى سيط الإسلام بلحمه ودمه ، ولم يخشع بين يدي ولاتهم وعزّاهم (٣) إذ هي تدعى ، وغيره خاشع لها عاكف (٤) عليها ، هي لهم منسك ، إلى أن اشتدت على التوحيد أعظمه ، وعظمت في أنحاء الخير هممه ، إليه يستريح رسول الله بأسراره ، فكان هو عليهالسلام الصديق الأكبر ، الفارس (٥) المشتهر ، وسابق العرب إلى الغاية ، ليس أمامه فيها إلّا الرسول المرسل ، بالكتاب المنزل يصلي بصلاته ويتلو معه آياته ، تفتح لعملهما أبواب السماوات السبع ، يهوي بجبهته مع نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى القبلة المجهولة عند قومه ، ليست تنحى (٦) إصبع يمدها متوسل إلى الله جل ثناؤه غير إصبعه ، ولا ظهر يحنو لله في طاعته قبل
__________________
(١) ساقط في (أ، د).
(٢) في (أ) : نسبه.
(٣) في (ب ، ج ، د) : عزاتهم.
(٤) نهاية الصفحة [٢٣٥ ـ أ].
(٥) في (ب) الفاروق المشتهر.
(٦) في (ب ، ج) : ليست تنحي إليه.