فأجله أجلا وأخذ به كفالة الحسين بن علي ، فلما مضى الأجل طالبه به فسأله النظرة فأبى ، وغلظ عليه ، وأمر بحبسه وأسمعه (١) ، فلما أمسى قال : أؤجلك هذه الليلة وأخلي سبيلك وآخذ عليك يمينا مؤكدة لتأتينى به غدا ، فحلف له على ذلك ليأتينه حتى يلقاه ، وأضمر الخروج (٢) ، فلما أعتم خرج إلى البقيع ، وجمع أهله وأعلمهم بما عزم عليه ، فبايعوه.
قال أبو الحسن المدائنيّ : كان مخرج الحسين بن علي صاحب فخ يوم (٣) السبت لبضع عشرة من ذي القعدة (٤) ، سنة تسع وستين ومائة ، وكان رجلا سخيا متوسعا ، لا يكبر شيء تسأله (٥) إياه ، وكان يأتيه ناس كثير ، وكان (٦) يحمل على نفسه المؤن حتى أجحف ذلك به ، فصار إلى أن باع مواريثه في كل وجه كان له فيه شيء ، وكان (٧) له عين ذي النخيل ، وكان ذو النخيل منزلا ينزله من خرج من المدينة إلى العراق ، ومن قدم من العراق إلى المدينة من الحاج وغيرهم ، وكانوا يشربون من عين الحسين ، فتنافسها الناس وحرصوا عليها ، فكان حسين يدان عليها ، فلم ينزع عن الدين فيها حتى صار عليه سبعون ألف دينار ، وفي رواية أخرى تسعون ألف دينار ، وأمسك عنه عنده ، فلم يكن يبايع ، فبعث المعلّى (٨) مولى المهدي فاشتراها منه بسبعين (٩) ألف دينار ، وكان غرماؤه قد وعدوه الصلح والوضيعة ، فكتب صاحب البريد بمكة والمدينة ، فدعا المهدي بالمعلا فسأله عن العين وشرائه إياها ، فأقر له به.
فقال الربيع : يا أمير المؤمنين هذه قوة الحسين بن علي على الإفساد ، وهو من لا يؤمن على حدث يحدثه.
__________________
(١) أي شتمه ، وعنده نهاية الصفحة [٢٦٤ ـ أ].
(٢) انظر : مقاتل الطالبيين ص (٣٧٢) وما بعدها ، تاريخ الطبري (٦ / ٤١٠ ـ ٤٢١).
(٣) في (أ، ج ، د) : ليوم.
(٤) انظر الإفادة في تاريخ الأئمة السادة ص (٩٢) ، الحدائق الوردية (١ / ١٧٥ ـ ١٨١).
(٥) في (ب ، ج ، د) : يسأله.
(٦) في (أ، ب ، ج) : فكان.
(٧) في (د) : وكانت.
(٨) المعلى : هو مولى المهدي. انظر : الكامل لابن الأثير (٥ / ٦٨ ، ٢٢٨) ، الوزراء والكتاب (١٦٠).
(٩) في (أ، د) : بتسعين.