فقال محمد بن الحسن الفقيه : بعث إليّ أبو البحتري وإلى عدة (١) من الفقهاء فيهم عبد الله بن صخر قاضي الرقة (٢) ، فأتيناه ، فقال : إن أمير المؤمنين باعث إليكم أمان يحيى بن عبد الله فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم وقولوا الحق.
قال فغدونا فبدأ بنا في الإذن ، فلما سلمنا وجلسنا ألقي الأمان إلينا فنظرنا فيه ، فقلنا جميعا : ما نري فيه شيئا يخرجه من أمانه ، فأخذه أبو البحتري ونظر فيه ثم قال : ما أراه إلّا خارجا من أمانه ، فأمرنا بالقيام فقمنا وانصرفنا ، فلما كان من الغد بعث الرشيد بالأمان مع مسرور الخادم (٣) إلى أبي البحتري ، فأتاه ، فقال : إن أمير المؤمنين يقول لك إني ظننت أنك قلت في أمان يحيى بعض ما ظننته يقرب من موافقتي ولست أريد فيه إلّا الحق ، فأعد النظر فيه فإن رأيته جائزا فاردده ، وإن لم تره جائزا فخزّقه (٤).
قال مسرور : فأبلغته الرسالة.
فقال : أنا على مثل قولي بالأمس.
فقلت له : هذا الأمان معي فنظر فيه ثم قال (٥) : ما أرى فيه إلّا مثل ما قد قلته.
فقلت له : فخزّقه (٦) إذن.
فقال : يا غلام هات المدية.
فقلت لغلام (٧) كان معي يقال له محبوب : يا محبوب هات سكينا ، فأخرجها من خفه
__________________
(١) في (أ، د) : جماعة.
(٢) لعله عبد الله بن صخر ورد ذكره في الجرح والتعديل (٥ / ٨٥ ت ٣٩٥) ، وقال : روى كلاما في الزهد والحكمة عن رجل تراءى له ثم غاب حتى لا يدري كيف ذهب فذكر له أنه كان الخضر عليهالسلام ، روى نعيم بن ميسرة عن رجل من يحصب عنه. والرقة : مدينة مشهورة على الفرات ، انظر معجم البلدان (٣ / ٥٨ ـ ٦٠).
(٣) أحد خدام هارون الرشيد بن أبي جعفر المنصور ، انظر : مقاتل الطالبيين (٣٩١ ، ٣٩٥ ، ٤٠٠ ، ٤١١ ، ٤١٦ ، ٤٦٤ ، ٤٦٥ ، ٤٧٢).
(٤) في (ب ، ج) : فحرقه.
(٥) في (ب) : فقال.
(٦) في (ب ، ج) : فحرفه.
(٧) في (أ) : فقال لخادم.