فدفعها (١) إلى أبي البحتري ، فشق بها الأمان ويده تضطرب حتى جعله سيورا ، فأخذته ووضعته في كمي ، وأتيت به هارون.
فقال لي : ما وراءك؟ فأخرجته إليه.
فقال لي : يا مبارك.
قال : ثم حبس يحيى بعد ذلك بأيام.
قال محمد بن الحسن الفقيه : لما ورد الرشيد الرقة ؛ وكنت قلدت القضاء ؛ دخلت أنا إليه والحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو البحتري وهب بن وهب ، فأخرج إلينا الأمان الذي كتبه ليحيى بن عبد الله بن الحسن فدفعه إليّ فقرأته ، وقد علمت الأمر الذي أحضرنا له ، وعلمت ما ينالني من موجدة الرشيد إن لم أطعن فيه ، فآثرت أمر الله والدار الآخرة ، فقلت : هذا أمان مؤكد لا حيلة في نقضه ، فانتزع الصك من يدي ودفعه إلى اللؤلؤي فقرأه ، فقال كلمة ضعيفة ، لا أدري سمعت أو لم تسمع : هو أمان.
فانتزع من يده ودفع إلى أبي البحتري ، فقرأه وقال (٢) : ما أوجبها لله وما أمضاه ، هذا رجل (٣) قد شق العصا وسفك دماء المسلمين وفعل ما فعل لا أمان له ، ثم ضرب بيده إلى خفه ؛ وأنا أراه ؛ فاستخرج منه سكينا فشق الكتاب نصفين ثم دفعه إلى الخادم ، ثم التفت إلى الرشيد وقال : اقتله ودمه في عنقي يا أمير المؤمنين.
قال : فنهضنا عن المجلس ، وأتاني رسول الرشيد أن لا أفتي أحدا ، ولا أحكم ، فلم أزل على ذلك إلى أن أرادت أم جعفر (٤) أن تقف وقفا ، فوجهت إليّ في ذلك فعرفتها أن قد (٥) نهيت عن الفتيا وغيرها ، فكلمت الرشيد ، فأذن لي.
__________________
(١) نهاية الصفحة [٢٩٤ ـ أ].
(٢) في (أ، د) : ثم ، وفي (ب) : فقال.
(٣) في (أ) : هذا الرجل.
(٤) هي : سلّامة أم ولد بربرية ، قيل : نفزية بلد من المغرب ، وقيل : صنهاجية ، انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم تحقيق عبد السلام هارون ص (٢٠).
(٥) نهاية الصفحة [٢٩٥ ـ أ].