فلما قرأ كتابه بعث إليه ، وقال : ويحك كيف يجوز نسخ هذا الأمر وقد تقدمت في إبرامه أو الرجوع عنه ، وقد سعيت في تأكيده؟
فقال له : تحتال برفقك ولطفك حتى تطلق عنك عقاله وتفك (١) يدك من غله ، فإن الرأي في يدك ما لم تمضه فإذا أمضيته لزمك خطؤه وصوابه ، واعلم أن هذا الأمر الذي تطلب ليس بصغير القدر ولا بيسير الخطر ، وإن جل أصحابك لهولاء القوم كارهون ، ولو قد بارزت الخليفة بخلعه وعاندته بنصب إمام دونه لصرف (٢) إليك رأيه ومكيدته ، ورماك بأنصاره وجنوده ، ثم لا عراق لك ولا شام ، إن لجأت إلى العراق فهم أهل الكوفة المجبولون على الغدر والختر والمعروفون بقلة الوفاء والصبر ، ثم هم بعد أهواء متفرقة وآراء مختلفة ، كل يريد أن تكون الرئاسة في يده ، وأن يكون من فوقه تبعا له ، وإن صرت إلى الشام فكيف لك بالمقام فيهم والامتناع بهم ، وعامتهم من قتل علي عليهالسلام أباه وجده وابن عمه وحميمه ، وكلهم يطلب هؤلاء القوم بوتر ويرى أن له عندهم (٣) دخلا ، فأنشدك الله أن تفرق جماعة قيس ، وتشتت أمرها ، وتحمل العرب طرا على أكتافها (٤) ، فو الله لئن مضيت على رأيك وشهرت بهذا الرجل نفسك ليرمينك الناس عن (٥) قوس واحدة وليجمعن على قتالك.
فندم نصر على ما كان منه وتخوف العواقب ، وأتى محمدا عليهالسلام وقال له : يا بن محمد رسول الله ، قد كان سبق إليك مني قول عن غير مشاورة لأصحابي ولا معرفة لرأي قومي ، وكنت أرجو أن لا يتخلف عليّ منهم متخلف ، ولا يتنكر علي منهم متنكر ، وقد عرضت عليهم بيعتك فكرهوها ، وامتنعوا من إجابتي إليها ، فإن رأيت أن تقيلني وتجعلني في سعة من رجوعي ، وأنا مقويك بما احتجت إليه ، وهذه خمسة آلاف دينار ففرقها في أصحابك ،
__________________
(١) في (ب ، ج ، د) : ونفك.
(٢) في (ب) : اصرف ، ولعله تصحيف.
(٣) نهاية الصفحة [٣١٤ ـ أ].
(٤) في (ج) : أكنافها.
(٥) في (ج) : على.