فتبعته إلى دار العباس فلما انتهينا إلى الخندق صاح بالناس فعبروه «وتطاعنوا» (١) بالرماح ساعة ، ورماهم النشابة من فوق الدار حتى قتلوا رجلا من أهل الكوفة ، ثم إن الموالي انهزموا وظفر أبو السرايا (٢) بالدار فأمر الناس بانتهاب ما فيها ، وخرج النساء متلدمات (٣) ، واستبطن الفضل بطن الخندق هاربا في ستة فوارس ، حتى أخذ على قرية أبي حمار ، ثم خرج إلى شاطئ الفرات فعبر إلى الفرات ، وركب وجهة إلى بغداد.
عن نصر بن مزاحم لما نزل زهير وأصحابه ، وهو على برذون أدهيم (٤) وعليه قباء ملجم بسواد (٥).
فقال : يا أبا السرايا علاما نكثت الطاعة ، وفرقت الجماعة ، وهربت من الأمن إلى الخوف ، ومن العز إلى الذل ، أما والله لكأني بك قد أسلمك من غرّك ، وخذلك من استفزك ، وصرت كالأشقر إن تقدمت نحرت ، وإن تأخرت عقرت ، وإن طلبت دنيا فالدنيا عندنا ، وإن التمست الآخرة فباب الآخرة التمسك بطاعتنا الأمان قبل العثار ، والتقدم قبل التندم.
فقال له أبو السرايا : يا أبا الأزهر ، الكلام يطول ، والاحتجاج يكثر ، وقد أعطيت الله عهدا أن لا أراجع (٦) لابس سواد بسلم ، ولا أنزع له عن منكر ، فإن رأيت أن تنزع سوادك وتحاورني فافعل.
قال : فولى زهير وجهه إلى أصحابه ، فابتدره الخدم ينزعون سواده فكبر أبو السرايا ، ثم
__________________
(١) ورد في الأصل : اطعنوا.
(٢) نهاية الصفحة [٣١٨ ـ أ].
(٣) لدم لدما : ضربه بشيء ثقيل يسمع وقعة ، وتلدمت النساء : ضربن وجوههن في المآثم ، المعجم الوسيط : مادة (لدم).
(٤) برذون أدهيم : البرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال من الفصيلة الخيلية ، عظم الخلقة ، غليظ الأعضاء ، قوي الأرجل ، عظيم الحوافر ، المعجم الوسيط مادة : (برذن). وأدهيم : الدهم الفرس الأسود ، والدهيم الأحمق.
(٥) قباء : القباء ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه ، والقباء : قباء القوس من مقبض القوس إلى طرفها أي نصفها ، يقال : بينها قباء قوسين : طول قوس ، المعجم الوسيط مادة : (قباه).
(٦) في (ب ، ج) : أرجع.