خاتم النبيين ، بشيرا ونذيرا إلى جميع المخلوقين ، وأنزل عليه كتابا فيه نور مبين ، وشفاء لما في الصدور ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) (١) مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت : ٤٢] ، أمر عباده بالعمل على ما فرضه عليهم وآكد من الأمر عليهم بعد أن أعطاهم الاستطاعة ، ومكنهم من القدرة على ما أمرهم به ودعاهم إليه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].
ولسنا (رحمكم الله) بأبناء دنيا فنتكالب عليها ، ولا بأهل الباطل فنطلب الأمارة والسلطان والأمر والنهي من غير استحقاق ، وعلى غير جهة رشد وسداد ، واستقامة وصلاح ، أكثركم يعلم كيف كنتم للهادي رضي الله عنه بعد دعائكم إياه إلى بلادكم وبيعتكم له على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإحياء معالم الدين ، ومجاهدة الجبارين الظالمين ، ألم ينقض أكثركم تلك العهود المؤكدة والمواثيق المغلظة (٢)؟!
ألم ينكث جلكم أيمانكم بعد توكيدها ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا؟!
ألم يدع أكثركم الحق جهرا واتبع الباطل وباع الكثير الباقي بالتافه اليسير الفاني؟! وكان رضي الله عنه يقاسي منكم الأمرين ، وتصيبه منكم المحن المتواترة ، وتعاملونه بأقبح المعاملة ، وتقابلونه على جميع أفعاله معكم وإحسانه إليكم (٣) وعفوه عن ذنوبكم بالإساءة إليه والخروج عليه فصبر من ذميم أفعالكم وقبيح معاملاتكم على ما لا يصبر عليه إلّا من امتحن الله قلبه بالتقوى (٤) ، ونوره باليقين والهدى ، ما قصر ولا وني من دعائكم إلى رشدكم (٥) ، وإلى طاعة ربكم ، ولا سئم من نصحكم والشفقة عليكم ، ولا ترك تقويم المتأوّد منكم ، ولا بخل بما حوته يده عليكم ، ومواساتكم (٦) بنفسه وماله ، لم يتعلق عليه أحد منكم
__________________
(١) نهاية الصفحة [٣٧١ ـ أ].
(٢) في (د) : الغليظة.
(٣) في (أ) : عليكم.
(٤) في (أ، د) : للتقوى.
(٥) نهاية الصفحة [٣٧٢ ـ أ].
(٦) في (أ) : مواساته.