بمظلمة ، ولا ادعى عليه أحد عدولا عن الحق ، وميلا إلى الهوى ، ومحاباة لولد وذي قربى ، بل كان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جعلهما نصب عينيه ، لا يفارقهما ولا يزايلهما ، ولا يدع العمل بهما ، فأفعالكم التي تفعلون ، وسيرتكم (١) التي بها تسيرون ، وطرقكم التي فيها تسلكون لا نحمدها ولا نأمن من الله عزوجل العقوبة على مقارتكم عليها ، ومداجاتكم فيها ، وأنتم إلى الباطل تميلون ، وعن الحق تفرون ، وفي معاصي الله تسارعون ، ولو لا إيثار طاعة الله والائتمار لأمره والوقوف عند ما حد من حكمه ، لكان ما عرضتم علي منه من طلب الدنيا وإرادة من اتبع الهوى ، هيهات لا أزول عن أمر الله شبرا ، ولا أفارق حكمه فترا حتى ألحق بالله على بصيرة ، وألقاه جل وعز بعزيمة صادقة ، فإن تقبلوا إلى طاعة الله وتنقادوا لأمر الله وتصبروا على حكمه فيما ساءكم وسركم ، وأعطاكم وأخذ منكم ، كنتم من الفائزين ، وعند خالقكم من المقربين ، فاتقوا الله وارجعوا باللوم على أنفسكم وتوبوا إلى الله رب العالمين ، وقوموا له قانتين ، ولأوليائه موالين ، ولأعدائه معادين ، ولأهل معصيته منابذين ، ولمن خالف أمره مهاجرين (٢) ، ولآثار رسوله متبعين ، وللمعصية والفسوق تاركين ، وبالمعروف آمرين ، وعن المنكر ناهين ، وللأئمة الصالحين من أهل بيت رسول الله مطيعين ، واعلموا (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨] (٣).
ولم ينو المرتضى رضي الله عنه ملابسة هذا الأمر ، ولم يرد اعتناقه والقيام به بوجه من الوجوه ؛ لمعرفته بسوء نية أهل اليمن وعلمه ، ولكنه لم يؤيسهم ولم يبعدهم من طلبتهم ، خوفا من تغلب القرامطة على تلك البلاد ، وخشية على الضعفاء والأرامل والأيتام من السبي والغارة ، فكاتب حلفاء أبيه الهادي عليهالسلام من قواد بلاد اليمن ومخاليفها فاقرهم على ما كانوا يتولونه من الأعمال وأمرهم بضبط ما في أيديهم ومحاربة من قصدهم من القرامطة والمخالفين ، وأمرهم بالتعاون والتناصر ، وأن يمد بعضهم بعضا إذا احتاجوا إلى ذلك ، وأمرهم
__________________
(١) في (أ) : وسيركم.
(٢) نهاية الصفحة [٣٧٣ ـ أ].
(٣) الخطبة في الحدائق الوردية (١ / ٢ / ٤٣ ـ ٤٤) ، وبعد خطبة صاحب الترجمة بايعه الناس في غرة المحرم سنة (٢٩٩ ه).