الرّسول : «أدّوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك» ولم يصلّ على من غلّ ولم يسمّ القتيل الّذي غلّ عباءة بشهيد ، وبذلك سلب الإسلام عن أفراد الجيش الغازي ملكيّة المال المظفور به من جهة العدى مهما كان ، ولو كان شراك نعل ، وكيفما كان ، سرّا أو جهارا ، وسمّاه القرآن أنفالا ، وجعله لله ولرسوله وليتصرف فيه رسول الله كيفما يرى ، فما ذا فعل رسول الله بالمال المظفور به من جهة العدى.
أعطى الرسول في غزواته للراجل ما رأى أن يعطيه وللفارس كذلك (١) ، سواء أكانا ممّن استولى على المظفور به أو لم يكونا منهم ، ورضخ للمرأة (٢).
وأكثر من ذلك أنّه أعطي لمن لم يشهد الغزاة بالمرّة ، مثل ما فعل مع عثمان في غزاة بدر ، ومع أصحاب جعفر في غزاة خيبر ، كما في صحيح البخاري ومسندي الطيالسي وأحمد وطبقات ابن سعد : أنّ رسول الله خلّف عثمان في غزاة بدر على زوجته ابنة رسول الله وكانت مريضة ، وأسهم له في ما أصابوا كواحد ممّن حضر الغزوة (٣).
وفي الصفحة نفسها من صحيح البخاري عن أبي موسى قال : بلغنا مخرج النبيّ (ص) ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه في بضع وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة فألقتنا إلى النجاشي بالحبشة ، ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا فوافقنا النبيّ (ص) حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه وقسّم لهم معهم (٤).
وكذلك اعطى النبيّ المؤلفة قلوبهم في حنين ـ كما مر ذكره ـ أضعاف سهم المؤمن المجاهد.
هكذا سلب الإسلام ملكيّة المال المظفور به من جهة العدى ممّن ظفر به وجعله لله ولرسوله فتصرّف فيه الرسول وقسّمه حسب ما رآه ، وصحّ بهذا الاعتبار أنّ
__________________
(١) في صحيح البخاري ٣ / ٣٦ «باب غزوة خيبر» أنه قسم للفارس سهمين وللراجل سهما.
(٢) رضخ له : أعطاه عطاء غير كثير.
(٣) صحيح البخاري ٢ / ١٣١ باب إذا بعث الإمام رسولا إلى حاجة أو أمر بالمقام هل يسهم له من كتاب الجهاد والسير ، وبمسند الطيالسي الحديث ١٩٨٥ ومسند أحمد ١ / ٦٨ و ٧٥ وج ٢ / ١٠١ و ١٠٢ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ٥٦ ، وبداية المجتهد ١ / ٤١٠ ـ ٤١٢ في الفصل الثاني من كتاب الجهاد.
(٤) أوردنا الحديث من البخاري باختصار.