وفي مسند أحمد : فوضع يده على صدري ، فقال : «ثبّتك الله وسدّدك.
فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل ، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» قال : ما شككت في قضاء بعد (١).
وذكروا من قضاياه في هذه الخرجة بعض ما استطرفوه ، مثل ما رووا أنّ ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليّا يختصمون إليه في ولد وقد وقعوا على المرأة في طهر واحد ، فقال لاثنين منهما : طيبا بالولد لهذا ، فأبيا ، ثمّ قال لاثنين طيبا لهذا بالولد فأبيا فقال : أنتم شركاء متشاكسون! إنّي مقرع بينكم فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم ، فجعله لمن قرع ، فأتى من اليمن أحدهم وأخبر النبي بذلك فضحك رسول الله (ص) حتّى بدت نواجذه (٢).
وقضية أخرى نوردها من لفظ الإمام بإيجاز ، قال : بعثني رسول الله إلى اليمن ، ثمّ حدّث عن قوم بنوا زبية للأسد فوقع فيها الأسد فأكبّ الناس عليه فوقع فيها رجل فتعلّق بآخر وتعلّق الآخر بآخر حتّى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد ، فانتدب له رجل بحربة فقتله ، وماتوا عن جراحتهم كلّهم ، فقام أولياء الأوّل إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا ، فأتاهم عليّ على تفيئة ذلك ، فقال : أتريدون أن تقاتلوا ورسول الله (ص) حيّ؟!
وفي رواية : أتقتلون مائتين في أربعة؟! إنّي أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء ، وإلّا حجز بعضكم عن بعض حتّى تأتوا النبيّ (ص) فيكون هو الّذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حقّ له. اجمعوا من قبائل الّذين حفروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة ، فللأوّل الربع لأنّه أهلك من فوقه ، وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة ، فأبوا أن يرضوا ، فأتوا النبي وهو عند مقام إبراهيم فقصّوا عليه القصّة ، فقال «أنا أقضي بينكم» واحتبى ، فقال رجل
__________________
(١) سنن أبي داود ٣ / ٣٠١ ح ٣٥٨٢ ، وابن ماجة ، كتاب الأحكام ح ٢٣١٠ ، ومسند أحمد ١ / ١٤٩ وص ١١١ منه ح ٨٨٢ ، وراجع ص ٨٤ منه ح ٦٣٦ ، وص ٨٨ منه ح ٦٦٦.
(٢) سنن ابن ماجة ، كتاب الأحكام ح ٢٣٤٨ ، وسنن أبي داود ٢ / ٢٨١ باب من قال بالقرعة ، وتاريخ ابن كثير ٥ / ١٠٧.
أو جزت لفظ الحديث ، ويبدو أن محادثة وقوعهم على امرأة واحدة في طهر واحد وقعت من الرجال الثلاثة زمن جاهليتهم وولدت المرأة بعد إسلامهم فتحاكموا عند الإمام حال إسلامهم.