من القوم ، إنّ عليّا قضى فينا ، فقصّ عليه القصّة فأجازه رسول الله (ص) (١).
هذه أخبار خرجات الإمام إلى اليمن ، نسب العلماء وقوع حوادث بعث خرجاته إلى غيره توهّما ، وبعضهم أورد أخبار خرجاته الثلاث مجتمعة في مكان واحد (٢) ، وآخرون أوردوها في مكانين (٣). لهذا ولغير هذا (٤) وردت أخبار خرجات الإمام إلى اليمن غامضة وموهمة ، ولعلّنا نستطيع أن نستكشف الحقيقة من طبيعة الحوادث المرويّة عن خرجات الإمام إلى اليمن ، فلنا أن نقول مثلا : إنّ غزاة مذحج كانت الأولى في خرجاته إلى اليمن وغزاة ، همدان الثانية ، وفي الثالثة ذهب واليا وقاضيا ومخمّسا ودليلنا على ما نقول :
أوّلا ـ إنّهم في غزاة مذحج قالوا : كانت خيله أوّل خيل دخلت تلك البلاد ، أي بلاد اليمن.
ثانيا ـ وقوع القتال في غزاة مذحج دون غزاة همدان وينبغي أن يكون القتال قبل السلم ، وإنّهم قالوا في غزاة همدان : «أسلمت همدان جميعا» وقالوا : «ثمّ تتابع أهل اليمن على الإسلام». إذا لا قتال في اليمن بعد هذا وإنّما أرسل النبيّ ولاته وجباته إليها ومن ضمنهم الإمام ، وكانت هذه ثالثة خرجاته إليها حيث أرسله النبيّ واليا وقاضيا ومخمّسا ، وصدرت منه في هذه المرّة أحكام سارت بذكرها الركبان ، وفي هذه المرّة أرسل ذهيبة في ترابها إلى النبيّ ولم تكن الذهبية من غنائم الحرب لأنّ أهل اليمن كانوا قد أسلموا وبعث النبيّ إليهم الولاة والقضاة والمصدّقين ، ولأنّ غنائم الحرب يحملها الجيش الغازي معه إلى المدينة بعد انتهاء الغزوة سواء سهام الخمس منها أو بقيّة الغنائم الموزّعة على أفراد الجيش ولا معنى لإرسال المال في هذه الحالة قبل عودة الجيش إلى
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ٧٧ ح ٥٧٣ ، وح ٥٧٤ ، وص ١٢٨ منه ح ١٠٦٤ ، وص ١٥٢ ح ١٣٠٩ ومجمع الزوائد ٦ / ٢٨٧ ، والمنتقى ح ٣٩٩٤.
(٢) مثل ابن كثير في تاريخه فإنّه أورد جميع أخبار خرجاته تحت عنوان «باب بعث رسول الله علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن.»
(٣) مثل ابن هشام ومن تبعه فإنّهم أوردوها في باب خروج الأمراء والعمال على الصدقات في السنة العاشرة ، وفي باب تعداد السرايا والبعوث.
(٤) ما كانت الظروف في عصور يلعن الإمام على جميع منابر المسلمين وخاصة في خطبة الجمعة تسمح لنشر أخبار فيها فضيلة ومنقبة للإمام ، فإنّ الولاة كانوا يطاردون من يذكر الإمام بخير منذ عصر معاوية حتى القرن الأول من عصر بني العباس عدا عصر ابن عبد العزيز وعصر السفاح.