التمتّع حسب ما رواه كلّ من البيهقي وأبي داود في سننهما وغيرهما واللفظ للأوّل : إنّ معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله (ص). ولفظ أبي داود : قال لأصحاب رسول الله أتعلمون ... أنّ رسول الله نهى عن صفف النمور؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : وأنا اشهد. قال : أتعلمون أنّ النبيّ (ص) نهى عن لبس الذهب إلا مقطّعا؟ قالوا : اللهم نعم!
قال : أتعلمون أنّ النبي (ص) نهى أن يقرن بين الحجّ والعمرة؟ قالوا : اللهم لا!
قال : والله إنّها لمعهنّ.
قال ابن القيّم بعد إيراد الحديث : «ونحن نشهد بالله أنّ هذا وهم من معاوية أو كذب عليه ، فلم ينه رسول الله عن ذلك قطّ» (١) هكذا قال ابن القيّم لحسن ظنّه بمعاوية والطريف في الأمر أنّ معاوية يروي رواية أخرى عن رسول الله يناقض فيها نفسه. وروايته هذه حسب ما رواها كلّ من البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وأحمد في مسنده ، واللفظ للأوّل ، عن ابن عبّاس قال : قال لي معاوية : أعلمت اني قصّرت من رأس رسول الله عند المروة بمشقص؟ فقلت له : لا أعلم هذا إلّا حجّة عليك.
وفي لفظ المنتقى «في أيام العشر بمشقص».
قال ابن القيّم : وهذا ممّا أنكره الناس على معاوية وغلّطوه فيه (٢).
في الرواية الأولى يحلف أصحاب النبيّ أنّ النبيّ لم ينه عن قران العمرة بالحجّ ضمن ما نهى عنه ، ويحلف معاوية أنّه معهنّ ، وتدلّنا رواية معاوية هذه على أنّ الروايات الأخرى الّتي رويت موافقة لرأي معاوية أيضا وضعت في عصر معاوية كما سندرسها في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى. أمّا الرواية الثانية التي ناقض فيها روايته الأولى فإنّ معاوية أراد أن يتبجّح فيها بأنّه كان مقرّبا من رسول الله وفي خدمته ، وفاته أنّها تناقض فتواه وروايته الأولى وقد لاقى معاوية في سبيل إحياء سنّة عمر مخالفة شديدة من سعد
__________________
(١) سنن البيهقي ٥ / ٢٠ باب كراهية من كره القران والتمتع ، وسنن أبي داود باب في إفراد الحج ص ١٥٧ ، وزاد المعاد ١ / ٢٢٩ ، ومجمع الزوائد ٣ / ٢٣٦ باختصار. وأورد ابن كثير في تاريخه ٥ / ١٤٠ ـ ١٤١ جملة من أحاديث الباب.
(٢) صحيح البخاري ١ / ٢٠٧ باب الحلق والتقصير ، وصحيح مسلم ، باب التقصير في العمرة ح ٢٠٩ ، وسنن أبي داود ٢ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ح ١٨٠٢ ـ ١٨٠٣ من كتاب المناسك ، ومسند أحمد ٤ / ٩٦ ـ ٩٨ ، والمنتقى ٢ / ٢٧٠ ح ٢٥٧٩ ، ٢٥٨٠ ، ومنحة المعبود ح ١٥٠٣ ، والمشقص : نصل عريض يرمى به الوحش.