قلت : إنّما لا يصحّ اختيار الناس للإمام ، لدلالة القرآن الكريم على بطلان اختيارهم له فمن ذلك ما تقدم في الآيتين اللتين أضافتا جعل الأئمة إلى الله تعالى وحده. ومن الآيات قوله تعالى في سورة القصص آية ٦٨ : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ). فإنّ إثبات الاختيار له تعالى ، ونفيه لهم ، يفيد العموم باتّفاق علماء الأصول من الفريقين ، فيكون مفاد الآية أنّه ليس للصحابة خاصّة ، ولا لغيرهم من الناس عامّة ، الخيرة في كل شيء يتعلق بتحديد سلوكهم في الحياة ، وإنّ ذلك كلّه ممّا يرجع حكمه وأمره إلى الله تعالى ، لا إلى سواه ، بدليل قوله تعالى في سورة الأعراف آية ٥٤ : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) والخلافة من أهم الأمور ، فيرجع أمرها إليه تعالى ، لا إلى غيره ، فهو تعالى الذي يخلق ما يريد من الناس ، ويختار من يشاء للنبوّة والإمامة ، لا سيّما إذا لاحظتم سبب نزولها في ص (١٩٥) من تفسير الخازن من جزئه الخامس وغيره من مفسّري أهل السنّة وإنّها نزلت في جواب المشركين على ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة الزخرف آية ٣١ (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) يعنون الوليد بن المغيرة بمكّة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف. فأخبر تعالى أنّه لا يبعث الرسل باختيارهم (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي ليس لهم أن يختاروا على الله تعالى. ولا يخفى عليكم أنّ سبب النزول وخصوصية المورد لا يوجبان تخصيص الوارد مع عموم الحكم المستفاد من عموم اللفظ في الآية لأنّ العبرة بعمومه لا بخصوص سببه عند العلماء جمعاء.
ومنها : قوله تعالى في سورة الأحزاب آية ٣٦ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
فالإمام إن كان ممّا قضى الله تعالى ورسوله (ص) بترك نصبه ، فلا