يجوز للناس الخيرة بنصبه ، وإن كان ممّا قضيا بنصبه ، كان كغيره من الوظائف الدينية والأحكام الشرعية التي قضيا بها ولم يتركاها ، فليس للناس الخيرة في نفيها أو إثباتها ، كما ليس لهم الخيرة في غيرها من أحكام الله تعالى ، لا سلبا ولا إيجابا.
ومنها : قوله تعالى في سورة الحجرات آية ١ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).
فالخطاب في الآية موجّه للصحابة بصورة خاصة ، ولغيرهم بصورة عامّة بالإجماع ، ولا نشك في أنّ اختيارهم لشخص الإمام والخليفة تقديم بين يدي الله ورسوله (ص) وأنتم ترون أنّه تعالى قد نهى عن ارتكاب ذلك ، وحرّم عليهم فعله ، كما حرّم الركون إليه.
ومنها : قوله تعالى في سورة آل عمران آية ١٥٤ : (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).
والقائلون ذلك لم يكونوا خارجين عن أصحاب النبي (ص) فالآية كما ترونها واضحة الدلالة على أنّه ليس لأصحاب رسول الله (ص) ، ولا لغيرهم ، أمر ولا نهي ، ولا حكم في شيء أبدا مطلقا ، وإنّما الأمر كله لله تعالى وحده. والإمامة من أعظم الأمور وأهمّها وعليها تبتنى مصالح العباد الدينية والدنيوية فلا يجوز إسناد أمرها إليهم بل هو مسند إلى الله تعالى ، ويكون نصبه من عنده تعالى.
ومنها قوله تعالى لخليله إبراهيم (ع) عند ما طلب الإمامة لذرّيته فيما قصّه في سورة البقرة آية ١٢٤ (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
وهذه الآية صريحة في أنّ الإمامة من عهد الله تعالى فلا يناله اختيار الناس مطلقا ، وإذا ثبت لديكم بمقتضى الآية أنّ الإمامة من عهد الله تعالى بدليل إضافته إلى نفسه القدسية في قوله : (لا يَنالُ