عَهْدِي) ودليل قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ، ثبت عدم جواز اختيار الناس فيه. ولأنّ الناس كما تعلمون إنّما لهم الاختيار في عقد العهود التي ترجع إليهم ، لا في عهد الله تعالى ، وما يرجع أمره إليه تعالى.
فإن قلتم : إنّ الآية تريد النبوّة من لفظ الإمام في منطوقها فيقال لكم :
أولا : لو كان يريد النبوّة من لفظ الإمام ، لكان المناسب أن يعبّر بها لكي تفيده. فحمل الآية على إرادة النبوّة من الإمام سلخ لمعناها المطابقي ، وتحميلها معنى لا صلة بينها وبينه ، وبطلانه واضح.
ثانيا : إنّ إبراهيم (ع) كان نبيّا قبل أن يجعله الله تعالى إماما ، ولهذا صحّ الوحي إليه بجعله للناس إماما ، لأنّ قوله تعالى له : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) لا يصحّ إلّا إذا كان نبيّا لأنّ الإمام لا يوحى إليه فلو كان يريد بالإمام النبوّة لزم نسبة تحصيل الحاصل إليه ليكون معنى الآية بعد ذلك هكذا (إنّي جاعلك للناس نبيّا) ويلزمكم أن تقولوا بنزول الوحي على الإمام وكل أولئك معلوم البطلان ولأنّ ذلك موجب لأن يكون الإنسان نبيّا بطلب منه لا باختيار من الله تعالى ، وبطلانه ظاهر فتأمّل.
ومنها : قوله تعالى في سورة الأعراف آية ٣ : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ).
فاتّباع الذين اختاروا شخص الخليفة من الناس اتّباع من دون الله تعالى أولياء وكذلك اتّباع شخص الخليفة المنصوب باختيارهم ، وقد نهت الآية عن ذلك وحرّمت عمله ، فاختيارهم له بحكم الآية محرّم ، مأثوم فاعله ، ولأنّ الناس ، كل الناس ، تابعون لتصرّف الشريعة بهم فليس لهم أن يجعلوا من يتصرّف في أموالهم ،