بحفظها كاملا غير منقوص ، وذلك لا يمكن إلّا إذا كان معصوما ، فالسنّة إذن لا تغني الأمّة من الوقوع في الضلال ما لم يكن لها حافظ وقيّم. فعترة النبي (ص) هم القوامون عليها ، والحافظون لها من الزيادة والنقيصة ، والمبينون للأمة ناسخها من منسخوها ، ومحكمها من متشابهها ، لا سواهم لأنّهم معصومون بحكم النبي (ص) فيما تقدم من حديثه ، وغيرهم لم يكن معصوما بالإجماع.
سابعا : كيف يمكن للمسلمين المخاطبين بقوله (ص) (فيكم) أن يتمسّكوا بكتاب الله وسنّة نبيّه (ص) لكي لا يضلّوا على حدّ قول هذا القائل إذا لم يكن لهما قيّم يرجعون إليه في فهمهما؟ لذلك جعل النبي (ص) عترته قيّما عليهما وأوجب الرجوع إليهم في معرفة ما فيهما لعلمه (ص) بأنّ المسلمين ، قديما وحديثا ، يجهلون معاني كتاب الله تعالى ، ويجهلون السنّة ، ولا يميزون بينها وبين غيرها ، ولا يفهمون شيئا منهما وليس تكليفهم بذلك إلّا تكليف بما لا يطاق الباطل عقلا وشرعا.
ثامنا : لو كان التمسّك بهما وحدهما يغني المسلمين عن التمسّك بعترة النبي (ص) الذي حكم (ص) على الأولين منهم والآخرين ، بوجوب التمسّك بهم ، وبالكتاب ، لئلا يقعوا في الضلال المبين ، لما وقع أكثر المسلمين في الضلال الواضح. وأوضح دليل على ذلك ما وقع فيه الأئمة الأربعة من الاختلاف في حكم الكتاب والسنّة في الواقعة الواحدة كما تقدم تفصيله ، مع أنّ حكم الكتاب والسنّة في الواقعة الواحدة لا يتغيّر ولا يتبدّل ، فأحد المختلفين لا شكّ في ضلال وخطأ لقوله تعالى في سورة يونس (ع) آية ٣٢ : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) وقد نهى الله تعالى عن التفرق والاختلاف في الدين فقال تعالى في سورة آل عمران آية ١٠٥ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).