ومسمع : «إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرّها ـ إلى أن قال ـ من بايع منكم رجلا من غير مشورة من المسلمين ، فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه ثغرة أن يقتلا ـ إلى قوله ـ إلّا أنّ الأنصار خالفوا ، واجتمعوا بأسرهم ، في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنّا علي والزبير ومن معهما» الحديث.
والفلتة : إن لم يكن قائلها يريد بها أنّها زلّة كما يشير إليه وصفه لها بالشر ، فلا محالة أنّها بمعنى البغتة ، ويعني ذلك أنّها وقعت فجأة ، ومن غير تدبّر ولا مشورة ، ويدلّكم على أنّها وقعت من غير مشورة قوله : «من بايع رجلا من غير مشورة المسلمين ، فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه ثغرة أن يقتلا».
وأنتم تجدونه قد حكم بقتل المبايع (بكسر الياء) والمبايع (بفتح الياء) إذا وقع ذلك من غير مشورة المسلمين أجمعين ، ونحن نقول لكم ما الذي يا ترى أخرج الخليفتين (رض) عن عموم حكم الخليفة عمر (رض) بقتلهما ، وخصّه بغيرهما؟ وكيف يستقيم هذا الحكم للخليفة عمر (رض) وقد صار هو الآخر خليفة بتنصيص الخليفة أبي بكر (رض) عليه خاصّة دون مشورة المسلمين أجمعين؟ وكل ما تقولونه في غيرهما نقوله نحن فيهما (رض).
ثالثا : لو سلمنا لكم جدلا أنّها وقعت بالشورى ، ولكن الذي كان عليكم أن تعلموه بأنّ الذي أحدثوه كان شرّا بإقرارهم جميعا ، وإقرار العقلاء على أنفسهم حجّة ، ملزمون بها ، والله تعالى كما تعلمون لا يمدح الذين يوقعون الشر في البلاد ، وبين العباد ، ولا يثني عليهم أيّا كانوا ، لأنّ الشرّ قبيح محرّم منهيّ عنه شرعا وعقلا ، وهو تعالى لا يمدح على فعل المحرّم الذي نهى عنه ، وإنّما يؤاخذ فاعله ، ويعاقبه عليه ، فلا يمدحه ويثني عليه ، كما هو صريح الآية. ويؤكّد