عمومها لأنّ إرادة العموم كما هو مفاد الآية لا يدلّ على إرادة الخصوص عند العلماء جمعاء.
ثانيا : إنّ الأمر بالمشورة من الله تعالى لنبيّه (ص) لم يكن لأجل الاستعانة برأيهم لافتقاره إليهم في مشورتهم ، فإنّ هذا لا يصح مع منصب النبوة (ص) ، ولا يقول به إلّا من كان جاهلا بمقام النبي (ص) ، وذلك لأنّا نعلم بالضرورة من الدّين ، والعقل ، أنّه (ص) كان معصوما من الكبائر ، والصغائر ، ومن الخطأ ، والنسيان ، وكانوا غير معصومين ، وكان (ص) أكمل من جميع المخلوقين ، وأحسنهم رأيا ، وأجودهم تدبيرا ، وأوفرهم عقلا ، وأكملهم فهما ، لا سيما أنّ الوحي كان ينزل عليه متواليا من الله تعالى بالتوفيق ، والتسديد ، والإنباء عمّا فيه صلاح الإسلام ، ونفع المسلمين ، فكيف يصحّ لمسلم أن يقول إنّه (ص) كان محتاجا إلى رأيهم مع أنّه لا يوجد فيهم إلا من هو دونه (ص) في كل شيء؟!!.
ولأنّ الرئيس إنّما يستشير غيره من رعيته ، ليستفيد ويستعين برأيه ، إذا علم ، أو ظنّ ، أنّه أوفر منه عقلا ، وأحسن رأيا ، وأجود تدبيرا. أمّا إذا علم أو ظنّ أنّه ليس فيهم إلّا من هو دونه في ذلك كلّه لم يكن لاستعانته برأيه في التدبير معنى يفهم ، إذ الكامل لا يحتاج إلى الناقص فيما فيه الكمال ، كما أنّ العالم لا يحتاج إلى الجاهل فيما يفتقر فيه إلى العلم. وهذا واضح لا يشك فيه اثنان من أهل العقل ، ويشهد لما قلناه ما في آخر الآية من قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فإنّه تعالى أناط وقوع الفعل منه (ص) بعزمه لا برأيهم ومشورتهم.
فلو كان الأمر بالمشورة وقع لأجل الاستفادة من رأيهم والاستعانة بمشورتهم لكان الخطاب بما يناسب ذلك كقوله تعالى : «فإذا أرتئوا لك رأيا فاعمل به وامض عليه» ، ولما لم يقل ذلك علمنا أنّ الأمر