ومن ذلك تعلمون أنّ الأمر بالمشورة لم يكن للاحتياج إلى رأيهم وأنّهم مجتهدون ، مصيبون ، على حدّ قول هذا المستدلّ ، وإنّما كان للكشف عن نيّاتهم ، وما تنطوي على ضمائرهم من الغش والنصيحة ، وإنّ قول ذلك على هذا المستدلّ جهلا منه بمقام النبي (ص) فتنقّص من قدره ، وحطّ من كرامته ، وجعله دون مستوى أصحابه عقلا ، وفهما ، وتدبيرا فأوجب على رسول الله (ص) ، أفضل الأنبياء (ع) ، وأعقل العقلاء ، أن يرجع إليهم في معرفة المصالح والمفاسد ، ليكيل لهم المدح والثناء من طريق الغض من كرامة النبي (ص).
وإذا كانوا بهذا المستوى من العقل ، والعلم بالمصالح ، والمفاسد ، وحسن التدبير ، بحيث يجب على رسول الله (ص) أن يرجع إليهم للاستفادة من رأيهم ، والاستعانة بتدبيرهم ، كما يزعم هذا المستدلّ ، فلما ذا يا ترى لم يختم الله تعالى بهم الأنبياء (ع) ، ويوحي إليهم بما يشاء؟ نعوذ بالله من سبات العقل ، والخطل في الرأي ، ونستجير به من التعصّب البغيض للمخلوقين ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العظيم.