وبعد : فإنّ العفو عنهم فيما ارتكبوه من الفرار يوم التقى الجمعان لا يوجب العفو عنهم فيما اقترفوه من مخالفة الرسول (ص) فيما نبهناكم عليه لعدم التلازم بين هذا وذلك كما لا يخفى على أولي الألباب ، لأنّه أخص من المدعى فلا يصح لكم أن تجعلوه دليلا على صحة عموم الدعوى.
ثانيا : لو سلمنا لكم جدلا شمول العفو في الآية لهم مطلقا ، ومع ذلك فإنّها لا تدل على العفو عنهم فيما يقع منهم في المستقبل ، كما لا دلالة لها على عصمتهم في اجتراح الأخطاء في الحال ، فضلا عن الاستقبال ، وكيف يصح ذلك مع وقوعه منهم كما مر عليكم بيانه مقرونا ببرهانه؟!!!
ثالثا : إنّ العفو من الله تعالى يكون تارة عن العاجل من المؤاخذة ، ومرة يكون عن الآجل ، وأخرى يكون عنهما جميعا إذا شاء ، وليس في الآية ما يدل على العفو عنهم في سائر الأحوال ، أو العفو عنهم يوم الحساب ، وإنما الآية صريحة الدلالة على العفو عنهم فيما مضى دون الحال ، فضلا عن المستقبل ، لا سيما إذا لاحظتم إتيانه بصيغة الماضي الدال على إرادته خاصة دون غيره مطلقا ، ويعززه قوله تعالى (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً).
ولا يصح في منطق العقل أن يجتمع السؤال والعفو في حالة واحدة ، فلا بد أنّه تعالى يريد العفو في الدنيا دون الآخرة ، لأنّه قد عفا فأعفاهم من سؤاله في العاجل ، ولم يعفهم من سؤاله في الآجل.
ونظير هذا عفو الله تعالى في يوم (بدر) عما وقع منهم من الرأي في الأسرى ، فقد أخبر تعالى بأنّه لو لا ما سبق في كتابه تعالى من رفع