القوم الذي وصفهم بأنّ لهم بأسا شديدا ، من الكافرين ، وأوجب عليهم الطاعة له في قتالهم حتى يرجعوا إلى الإسلام ونحن لم نجد الداعي لهم إلى ذلك بعد رسول الله (ص) غير الخليفتين أبي بكر وعمر (رض) ، فإن أبا بكر دعاهم إلى قتال المرتدين ، وكانوا من البأس الشديد بمكان لا ينكر ثم دعاهم عمر (رض) إلى قتال أهل فارس فكانوا كفارا أشداء فدلّت الآية بهذا النوع من الاستدلال على صحّة خلافتهما (رض) بما أوجب الله تعالى لهما من الطاعة في كتابه ، ولا معنى لإمامة الأمّة غير هذا.
قلت : لا يخفى عليكم بأنّ هذا القول لا يقوده شيء من الدليل ، ولم تقيموا على صحّته أي برهان ، وليس فيه إلّا الدعوى المجرّدة التي يشهد على بطلانها كل إنسان له عقل ، أو شيء من الدين مع أنّ فيه من وجوه الخلل ما سنكشفه لكم بواضح البرهان :
أولا : إنّ المنطوق من صدر الآية هو الإنباء عن منع المخلفين من أتباع النبي (ص) عند انطلاقه إلى المغانم التي سأله (ص) القوم أتباعه (ص) ليأخذوها ، وليس فيه ما يدلّ على منع الله تعالى رسوله (ص) من إخراجهم معه (ص) في غير ذلك ، كما ليس فيه ما يفيد منعه من إيجاب الجهاد عليهم معه (ص) في غزواته الأخرى لأنّه (ص) قد دعا الناس إلى قتال طوائف من الكافرين ، أولي بأس شديد ، بعد هذه الغزوة التي غنم فيها المسلمون ، ومنع الله تعالى فيها على المخلفين الخروج ، وبعبارة أوضح إنّ قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) يريد من تخلّف عن غزوة الحديبية ، فالتمس المتخلفون عنها أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى من ذلك بقوله تعالى : (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) ، فإنّه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، وأولئك لم يشهدوها ، فمنعهم الله تعالى عنها.
وأمّا قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) فإنّه