الله تعالى بغير علم ، ونسب إلى نبيّه (ص) التقصير في تبليغ دعوته الحقّة إلى الناس كافة ، كاملة غير منقوصة.
وفي القرآن يقول الله تعالى لنبيّه (ص) في سورة النحل آية ٤٤ : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، وقال تعالى في سورة الإسراء آية ٣٦ محذّرا ، ناهيا عن القول على الله تعالى بغير علم : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، وكان عليه في الأقل قبل أن يرسل هذا الحكم إرسالا أن يفهم من الذين يفهمون ، أنّ تلك الآية وما قبلها من قوله تعالى في سورة التوبة آية ٣٨ وما بعدها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا! ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ؟ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ؟ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) إلى آخر السورة نزلت في غزوة تبوك بإجماع الأمّة ، وبلا خلاف ، والأمّة مجمعة على أنّ الآيات النازلة في سورة الفتح إنّما نزلت في المخلفين عن الحديبية ، وبين هاتين الغزوتين من البعد في الزمان ما لا يشك فيه من العلماء اثنان كما أنّ بين الطائفتين في ظاهر الآيات من تفاوت الصفات ما لا يخفى على أولي الألباب فكيف يا ترى يصحّ أن يكون ما نزل في غزوة تبوك ، وهي في سنة تسع من الهجرة النبوية (ص) ، متقدما على النازل في عام الحديبية ، وهي في سنة ست من الهجرة؟ والذي يبدو من هذا القائل على ما قرره الإمام ابن تيمية في منهاجه أنّه من أجهل الناس بالآثار وليس له أدنى معرفة بالسيرة ، والتاريخ ، والتفسير ، وإلّا لم يذهب إلى ما قضى ببطلانه التاريخ المتفق عليه بين المسلمين أجمعين.
ثانيا : هب إنّ هذا القائل كان جاهلا بذلك كلّه ، ولكن ألم يسمع قول الله تعالى في المخلفين من الأعراب : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ، ليفهم أنّه إخبار عن وقوع الدعوة لهم إلى القتال في المستقبل ، وتأخير أمرهم في الثواب والعقاب