على شرط الطاعة والعصيان منهم ، وليس في الآية ما يوجب القطع بوقوع أحد الأمرين منهم في الواقع ، وقال تعالى في المخلفين الآخرين من المنافقين في سورة التوبة آية ٨٣ وما بعدها : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ* وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ ، وَرَسُولِهِ ، وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ).
وأنتم ترون هاهنا إنّ الله تعالى قد قطع بأنّهم قد استحقّوا العذاب ، وأخبر نبيّه (ص) بأنّهم خرجوا من الدنيا على الكفر والضلال ، ونهاه تعالى من أن يصلي على أحد منهم مات أبدا ، ليكشف بذلك للناس نفاقهم وضلالهم ضلالا بعيدا ، وشهد تعالى عليهم بأنّهم كفروا بالله ورسوله (ص) وماتوا وهم فاسقون ، ولم يجعل في إثابتهم شرطا مطلقا كما جعل ذلك لأولئك في تلك الآية بل قرر عدمه ، وأكده بقوله تعالى فيما بعدها : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا ، وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ).
فحكم تعالى بكفرهم مطلقا ، وإنّهم ماتوا على الكفر والضلال ، وإنّ عاقبتهم الخلود في النار ، وكم من فرق بين من علق أمره على ما يوجب له الثواب والعقاب ، كما في سورة الفتح ، وبين من ثبت له أحد الأمرين على سبيل القطع واليقين ، إمّا الثواب ، وإمّا العقاب كما في سورة التوبة ، وليس يصحّ عند العقل ، ولا عند الشرع ، أن يجتمع للمكلف الواحد أو الأكثر فيما دل عليه في الأولى مع الشرط المدلول عليه في قوله تعالى فيها مع القطع له بأحد الأمرين كما في الآية الثانية على سائر الوجوه ، مهما كانت صورتها.