قلت : أولا : إنّي لشاكر لكم جميل مدحكم ، وعظيم ثنائكم ، وأقدر لكم هذا العطف ، واللطف ، وبعد : فإنّ هذا القول في الآية ، وصرف الوعد فيها إلى خصوص من زعمتم يرتكز على زعمين اثنين :
الأول : لا يعضده شيء من البرهان فهو في حيز البطلان.
الثاني : مجمع على بطلانه ، ولا خلاف في فساده بين الفريقين.
أمّا الشقّ الأول فزعمكم أنّ الخلفاء أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، قد انفقا قبل الفتح ، فهو عار عن الحجّة ، ولا دليل عليه إذ لم يثبت ذلك بحديث من صادق أمين ، ولا دلّ عليه كتاب الله تعالى في آية ، ولا أجمعت عليه الأمّة ، بل الخلاف فيه ثابت للعيان ، ولعلّ الدليل قائم على بطلان قول مدّعيه.
وأمّا الشقّ الثاني فزعمكم أنّهما قاتلا الكافرين ، فهو متّفق على بطلانه بين الطائفتين ، لا يختلف في عدم صحّته اثنان من أصحاب التاريخ ، فإنّهم لم يسندوا إليهما قتل كافر معروف ، ولا جرح مشرك معلوم ، ولا مبارزة شجاع موصوف ، ولا منازلة بطل ، ولا محاربة مغوار ، وقد مرّ عليكم ما سجّله حفّاظ أهل السنّة من رجوعهما يوم خيبر ، وعدم ثباتهما يوم حنين ، وغيرها من غزوات النبي (ص) ، كما قدمنا لكم بيانه مدعما بدليله وبرهانه وإذا كان الخليفتان غير موصوفين بتلك الصفات التي ادّعيتم تعلق الوعد في الآية بموصوفها من جماعة الناس ، ثبت لكم عدم شمول الآية لهما.
ثانيا : إنّ ذلك القول يعم الصحابة كافة بالوعد ، ويقضي لهم بالعصمة من كل الذنوب ، وإنّه لا يلحقهم شيء من العيوب ، لأنّ الصحابة بين شخصين : أحدهما أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل ، والآخر أسلم بعد الفتح وقاتل ، فإن جاز لكم دفع ذلك عنهم ، جاز