وأهل السقيفة مؤمنون ، وقد نهاهم الله تعالى عن أن يقدموا بين يدي الله ورسوله (ص) ، ولا شك في أنّ اختيارهم لشخص الإمام والخليفة من دون الله تعالى ، ودون رسوله (ص) ، يكون مشمولا لمنطوق الآية. وقد حرّم الله تعالى ذلك عليهم ، ونهاهم عن فعله ، ومنعهم من الركون إليه. بل لو صحّ لهذا القائل بأنّ من يختاره الناس يختاره الله تعالى ، ويكون واجب الاتّباع والطاعة ، لزمه أن يقول بأنّ اختيار الناس مسيلمة ، وسجاحا ، والعنسي ، وأضرابهم من مدّعي النبوّة ، من الكذبة ، أنبياء اختارهم الله تعالى ، فتجب طاعتهم! كما يلزمه أن يقول : إنّ اختيار بني إسرائيل العجل ، وطاعتهم للسامري ، وعصيانهم لنبي الله تعالى هارون (ع) ، وتركهم له ، اختيار لله تعالى. وهكذا الحال في اختيارهم فرعون ، ومن كان على شاكلته من الجبابرة ، والنماردة ، وطاعتهم لهم لدخول ذلك كلّه في صغرى قياس هذا القائل وكبراه ، فيكون حكم الجميع واحدا لوحدة صغراه وكبراه ، وذلك معلوم بالضرورة من الدين والعقل بطلانه. فإذا بطل هذا كان ذلك مثله في البطلان.
قال : إنّ قياسكم ما فعله المؤمنون من أصحاب رسول الله (ص) في السقيفة من اختيارهم شخص الخليفة بعد النبي (ص) بما فعله بنو إسرائيل وما ارتكبه آل فرعون وغيرهم من اختيارهم طاعة غير الله تعالى ، وما اختاره قوم مسيلمة ، وسجاح ، والعنسي ، وأضرابهم من مدّعي النبوّة من الكذبة ، قياس مع الفارق لأنّ من جئتم على ذكرهم من قوم مسيلمة ، وسجاح ، والعنسي ، وبني إسرائيل ، لم يكونوا مؤمنين ، بخلاف أصحاب السقيفة ، فإنّهم مسلمون ، مؤمنون برسول الله (ص). فهذا الاختلاف في الموضوع يوجب الاختلاف في الحكم ، فيكون ما حدث في السقيفة من اختيارهم الخليفة مختارا لله تعالى ويدلّكم على ذلك قول رسول الله (ص) : «ما رآه المسلمون