ثالثا : إنّ الحديث الذي أوردتموه لتصحيح ما صنعه أصحاب السقيفة من أن ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن ، لو سلمنا لكم جدلا صحّته ، فهو مطعون في دلالته ، وذلك فإنّ كلمة (رآه) في منطوق الحديث من أفعال القلوب ، وهو لا يفيد الرؤية الخارجية بباصرة العين ، ويعني ذلك أنّ ما علمه المسلمون ووعوه عن رسول الله (ص) حسنا ، فهو عند الله حسن ، لأنّه من الوحي الذي لا يعتريه الشكّ. فالحديث صريح في خلاف ما ترغبون ، فهو حجّة لنا عليكم ، لا لكم ، لأنّ ما صنعه الأصحاب في السقيفة لم يكن من الوحي في شيء ، إذ لا يمكن حمله على أن ما استحسنه أهل السقيفة برأيهم من اختيار الخليفة يكون حسنا عند الله تعالى ، لوضوح بطلانه بدليل قوله تعالى في سورة الأعراف آية ٣ : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) ولم يقل اتّبعوا أصحاب السقيفة فيما استحسنوه. وقال تعالى مخاطبا أصحاب النبي (ص) خاصّة وغيرهم عامّة (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ولم يقل ما فعل أصحاب السقيفة فخذوه وما نهوكم عنه فانتهوا ، لكي تجب طاعتهم كما تجب طاعة الله تعالى ، وطاعة رسوله (ص) ، ثم لو كان كل ما رآه المسلمون حسنا ، نازلا من عند الله تعالى ، لزم أن يكون المسلمون كلّهم أجمعون أنبياء يوحى إليهم ، لأنّ ما ينزل من عند الله تعالى لا يكون إلّا وحيا ولا يوحى لغير الأنبياء (ع) وبطلان هذا لا يشك فيه اثنان من أهل الإسلام.
رابعا : ما تقولون لو قال لكم قائل ممّن لا يقول بقولكم : أترون أنّ ما صنعه أصحاب النبي (ص) في السقيفة من اختيارهم أبا بكر (رض) خليفة من دين رسول الله (ص) أولا؟
فإن قلتم من دينه (ص) ، فيقال لكم : لو كان من دينه لاختاره النبي (ص) وأمر به ولا يمكن أن يكون ذلك من دينه ، ولا يأمر به ،