فكما أنّها تقع قبل تعلّق النهي بها ، كذلك قد يتعلق النهي بها بعد وقوعها بقرينة أخرى ، هي غير ما في الآيات ، كوقوعه في آية الغار من الخليفة أبي بكر (رض) بقرينة حالية ، ومقالية في سياق الآية ، كما ألمحنا.
رابعا : إنّ ظهور الحزن من الخليفة أبي بكر (رض) في موضع لا ينبغي لأيّ مؤمن كامل الإيمان ، راسخ العقيدة أن يحزن فيه ، لا سيما بعد أن يشاهد ما ظهر على يد النبي (ص) من الآيات الباهرات ، والمعجزات الساطعات ، الموجبة لقطعه بالحفظ والسلامة من كيد الأعداء ، وأنّهم لا يستطيعون الوصول إليه ، ومعرفة مكانه ، كإنبات الشجرة على باب الغار ، ونسج العنكبوت ، ووجود عش الفاختة ، الأمر الذي جعل المشركين يعتقدون باستحالة وجود أحد في الغار.
كل أولئك من الأدلّة الواضحة على خلاف ما تدعون فالآية كما ترونها من الحجة لنا عليكم لا لكم.
وأمّا قوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) فظاهر في نزول السكينة على رسول الله تعالى وحده بدليل ما بعد الآية في سياقها : (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) بظهور اتحاد مرجع الضميرين لأنّ النبي (ص) هو المؤيّد بالجنود في الآية ، وهم الملائكة دون صاحبه (رض) ، وفي هذا دلالة صريحة على اختصاص السكينة بالنبي (ص) ، وعدم نزولها على صاحبه ، وإلّا كان المناسب أن يقول : لو أراده : (فأنزل الله سكينته عليه وعلى صاحبه) ، أو يقول : (فأنزل الله سكينته عليهما) كما أنزلها على من كان مع النبي (ص) من المؤمنين في غزوة حنين بعد أن أنزلها على رسوله (ص) بقوله تعالى في سورة التوبة آية ٢٦ : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها).