وقال تعالى في سورة الفتح آية ٢٦ : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وأنتم تجدون في هاتين الآيتين الكريمتين دلالة واضحة على عمومية السكينة لكل من حضر مع النبي (ص) من أهل الإيمان في كل موطن ، سوى الغار على ما نزل به القرآن فيما يقتضيه صلاح القوم في إخلاصهم لله تعالى ، واستحقاقهم الكرامة منه تعالى بالسكينة التي أكرم بها رسوله (ص) وخصّه بها في الغار دون صاحبه (ص) في ذلك الحال على ما قدمنا.
ثمّ إنّ من إنزال السكينة على رسول الله (ص) في (حنين) و (الفتح) تستشرفون على القطع واليقين بفساد من زعم بانتفاء حاجة النبي (ص) إلى نزولها عليه (ص) ، واختصاصها بأبي بكر (رض). فلو صحّ هذا الزعم من قائله لبطلت الآيتان ولم يكن لهما معنى ولا في الوجود صورة ، كما يلزم منه نسبة تحصيل الحاصل إلى الله ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
وشيء آخر فاتنا ذكره وهو قوله تعالى في أول آية الغار (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : فإنّ الله تعالى لم يقل إذ أخرجهما الذين كفروا حتى نعلم أن خروج أبي بكر (رض) كان نصرة للنبي (ص) لا لشيء آخر ، لا سيما إذا لاحظتم قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) ولم يقل وقد نصره صاحبه بينا نراه تعالى يقول في سورة الأنفال آية ٦٢ : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) وبعد هذا كلّه لا أراكم تشكون في صحّة ما نقول.
* * *