السقيفة من اختيارهم الخليفة لا يكون في متناول الحديث ، ولا يكون صغرى له ، لو سلمنا لكم صحبته ، وبعبارة أوضح : إنّا لو سلّمنا لكم جدلا إنّ للمسلمين أن يختاروا شخص الخليفة بعد النبي (ص) ، إلّا أنّ الذي يجب تحقيقه هو اختيار جميع المسلمين لشخص الخليفة ، لا اختيار بعضهم ، وذلك لأنّ الاختيار المبني على الأسس الحقوقية ، والقوانين الدولية المعاصرة ، إمّا أن يكون مبنيا على الحرية ، وليس فيه شيء من القهر ، والإلزام ، والتحدي ، والتحريف ، وإمّا أنّه مبني على الإكراه ، والجبر ، واستعمال القوّة ، والمال ، والجاه ، وغير ما هنالك من الأعمال الشيطانية ، كالخداع ، والمكر ، والتزوير ، وقلب صور الحقيقة ، الأمر الذي لا يقرّه الدين والعقل.
والقسم الأول من الاختيار المنزّه عن كل شائبة ، تارة يكون بطريق المكالمة والمشافهة ، وأخرى يكون بالقرعة والكتابة ، وكل واحد من هذين النوعين ، تارة يكون على سبيل الاجتماع ، وأخرى على سبيل الانفراد ، والأول : بمعنى أخذ رأي المسلمين كافة في شخص المختار في وقت واحد ، ومكان واحد ، والثاني : بمعنى أخذ رأي كل مسلم بانفراده ، إمّا بأخذ رأيه وهو في داره ، أو إعطائه ورقة يسجّل فيها رأيه فيمن يختاره ويلقيها في صندوق الاختيار. وكل واحد من هذه الأقسام يمكن أن يكون تارة بالواسطة ، وأخرى بلا واسطة ، والأول : كما لو اجتمع رأي الجميع على أفراد معدودين يعتمدون عليهم لعدالتهم عندهم ، ويوكلون رأيهم إليهم ، وهؤلاء يختارون شخص الخليفة ، والثاني : كما لو اجتمعوا على اختيار زيد مثلا وقالوا بصوت واحد : «فلان إمامنا» ويقال للهيئة الأولى في اصطلاح المعاصرين : المختارون الأوليون ، وللهيئة الثانية : المختارون الثانويون.
هذا هو الاختيار المشروع في جميع الدول المعاصرة. والحكومات الحرّة ، سواء أكان في هذا العصر ، أو قبله.