ومتى كان الاختيار لأي زعيم من الزعماء ، أو خليفة من الخلفاء ، بهذا الأسلوب من الاجتماع من جميع الأمّة ، يلزمنا النزول على حكمه ، والإذعان بصفته المشروعة. أمّا إذا لم يكن كذلك فليس من الأعراف الدولية ، والقوانين الحقوقية ، الخضوع لحكمه. وأنتم تعلمون من التأريخ الصحيح ، وصحيح الأحاديث ، أن طريق الاختيار للخليفة أبي بكر (رض) يوم السقيفة لا يجتمع والاختيار المشروع الحر في شيء ، لأنّ الخلاف فيه قام بينهم على ساق ، ولم يأخذ المجتمعون فيها آراء جميع المسلمين في المدينة لا بالكتابة ، ولا بالمشافهة ، فضلا عن بقية الأمصار الإسلامية الذين لهم حقّ الاختيار ، وإبداء الرأي في اختيار إمامهم ، شأن الاختيار الحرّ المؤسس على الحقوق الطبيعية ، ولم يكتف أولئك النفر الذين اجتمعوا على أبي بكر (رض) في السقيفة بترك آراء جميع أهل المدينة فلم يستشيروا جميعهم فيه ، وإنّما اعتمدوا على خمسة نفر وهم الخليفة عمر بن الخطاب (رض) ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وأسيد بن خضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، على ما سجّله الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) ص ٦ و ٧ من الطبعة التي كانت سنة ١٣٨٧ هجرية بمصر القاهرة ، وغيره من مؤرخي أهل السنّة. ممّن جاء على ذكر السقيفة ، وكيفية أخذ البيعة ، وما كان المسلمون في المدينة ، فضلا عن بقية الأقطار ، ليختاروا أولئك النفر نوّابا عنهم ، كي يمكن اعتبارهم من المختارين الثانويين ، جريا على أصول الاختيار الحرّ ، ولا يمكن لأحد أن يقول إن المسلمين بعد وفاة النبي (ص) لم يكن فيهم من بلغ سن الرشد ، بأن كانوا أطفالا صغارا ، فرأيهم رأي المجانين لا وزن له ، ولا قيمة ، أو إنّهم كانوا مجرمين ، ومقصّرين بارتكابهم الجرائم القانونية ، فتقرر حرمانهم من الحقوق المدنية ، وسقوطهم عن درجة الاعتبار ، فليس لهم حقّ الاختيار إطلاقا.