اللهم إلّا أن يقول هذا القائل الذي لا يفهم ما يقول ، ويقول ما لا يفهم ، إنّ رسول الله (ص) (والعياذ بالله) كان من الخائفين المرتابين ، والشاكين فيما أعدّه الله تعالى من الثواب العظيم للمجاهدين في سبيله تعالى ، وكان (ص) (نعوذ بالله) من أبناء الدنيا والداعين إليها ، والمتمسّكين بأعمال أهلها ، والراغبين في حطامها ، والزاهدين في ثواب الله تعالى ، ورضوانه لكي يصحّ أن يصفه هذا القائل الذي يهرف بما لا يعرف ، بما قاله من الإشفاق على أحبائه من الاستشهاد في سبيل الله تعالى ، والمنع لهم من تحصيل منازل الكرامة عند الله تعالى ، وما يعقبه الراحة الأبدية والسعادة السرمدية. ولو جاز أن يوصف النبي (ص) بما وصفه هذا القائل لخرج عن وصف النبوّة ، وكان من أهل الكبرياء والجبروت تعالى رسول الله (ص) وتسامى عمّا يصفه الجاهلون ، وهو أفضل الأنبياء (ص) وسيدهم (ص).
ثالثا : لو كان السبب في منع النبي (ص) الخليفتين أبا بكر وعمر (رض) عن الجهاد يوم بدر هو المحبة لهما والإشفاق عليهما (رض) من القتل على زعم هذا القائل ، فلما ذا يا ترى لم يشفق (ص) عليهما (رض) من القتل يوم خيبر ، ولما ذا يا ترى عرض يومئذ حياتهما للموت حتى بان للناس رجوعهما عن القتال كما مرّ عليكم تفصيله ومن ذلك تعلمون بطلان ما زعمه هذا القائل من قصة العريش ، وأنّه لا أصل لها إطلاقا.
رابعا : دع عنكم هذا كلّه ، وهلموا معي إلى قول الله تعالى في سورة التوبة آية ١١١ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ، بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).