فتح الباري في باب الغيرة من كتاب النكاح من جزئه التاسع ، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ص ٣٤٧ من جزئه السادس؟.
فلو صحّ ما يدّعيه هذا القائل من الإنفاق لأبي بكر (رض) لزمه أن يقول إنّ أبا بكر ترك ما يجب عليه من الإنفاق على ابنته أسماء لوجوب صلة الرحم عليه ، وهي أقرب الناس إليه ، وذلك ما لا يمكنه دفعه إلّا إذا نسب العصيان إليه (رض) بتركه ما وجب عليه ، وذلك ما لا يرضيه ولا يمكن أن يبتغيه.
بل لو كان ذا مال وثروة لكان الواجب يحتّم عليه أن ينقذ أباه أبا قحافة فإنّه على ما ذكره أبو جعفر الإسكافي وحكاه عنه ابن أبي الحديد في (شرح النهج) ص ٢٧٢ من جزئه الثالث : (أنّه كان فقيرا ، مدقعا ، سيئ الحال) فلم يعمل بماله على استمالته إلى الإسلام بالنفقة عليه والإحسان إليه وكان عليه ، لو كان له مال ، أن ينقذه من شدّة النصب والتعب المجهدين في تحصيل قوته ، وأبو بكر (رض) كما يدّعي هذا القائل كان ثريا ، فائض المال ، فحين كانت له عينان يبصر بهما ، كان يبرز إلى الصحاري ليصيد الدباسي (وهو طائر صغير) ، ليقتات بثمنه ، ولما ذهبت عيناه جعل ينادي الأضياف إلى مائدة عبد الله بن جذعان ، ليقوت بذلك نفسه ، فكيف يا ترى يمكن أن يجتمع هذا كلّه مع وجود الثروة له (رض) ، والإنفاق؟.
والإلزام لهذا القائل أن يقول بعصيان أبي بكر (رض) ، ومخالفته للشريعة بتركه (رض) الإنفاق على أبيه وابنته مع ما هما عليه من الفقر والفاقة ، وما هو (رض) عليه من المال والثراء ، لأنّه لو صحّ لكان قاطعا لرحمه ، وليس في قلبه شيء من الرقة والرأفة على أقرب الناس إليه رحما ، وأشدّهم به نوطا ، شرعا وعرفا ، وذلك ما لا يستطيع أن يقول به ، فإذا بطل هذا كان ذلك مثله باطل.