خامسا : لو كان له (رض) إنفاق كان على هذا المستدل أن يذكر لنا موضع إنفاقه وفيما كان ذلك الإنفاق؟ لنعلم به.
فإن قالوا أنفق ماله بمكة قبل الهجرة :
فيقال لهم : لم يكن لرسول الله (ص) بمكة من العيال ما يحتاج إلى أن ينفق عليهم ذلك المال من حين إسلامه إلى زمان هجرته ، ولم يكن (ص) يومئذ قد جهّز جيشا ، ولم يقاتل عدوا لا هو (ص) ، ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه بمكة ، ليحتاج إلى ذلك المال المدّعى إنفاقه عليه (ص) من أبي بكر (رض) ، فإنّ الأمّة مجمعة :
على أنّ الذي أسلم معه وقتئذ أربعون رجلا فلما اشتدّ أذى قريش لهم شكوا ذلك إلى النبي (ص) فولّى عليهم ابن عمّه جعفر بن أبي طالب (ع) ، وأمرهم بالخروج إلى الحبشة ، فكانوا هناك إلى أن هاجر النبي (ص) ، وفتح الكثير من فتوحاته ، لا سيما أنّ أبا بكر نفسه (رض) كان من المعذبين بمكة قبل الهجرة ، فإنّ نوفل بن خويلد المعروف بابن العدوية ضربه مرتين. حتى أدماه ، وشدّه مع طلحة بن عبيد الله بقرن (بحبل) ، وألقاهما في هجيرة عمير بن عثمان ، فسمّيا من ذلك اليوم بالقرينين ، على ما حكاه ابن أبي الحديد في (شرح النهج) ص ٢٦٧ من جزئه السادس ، وابن كثير في (البداية والنهاية) ص ٢٩ ومن بعدها من جزئه الثالث.
فلو صحّ أنّ له مالا كثيرا لبذله في تخليص نفسه من ذلك الأسر ، ومن حيث أنّ شيئا من ذلك لم يحصل علمنا بطلانه.
وإن قالوا : أنفق ذلك المال بعد الهجرة في المدينة.
فيقال لهم : لقد علم الناس كافة من صحيح الخبر أنّ أبا بكر (رض) ورد المدينة وهو في حاجة ماسّة إلى معونة الأنصار في المال والمسكن ، وقد فتح الله تعالى على نبيّه (ص) من قريب من غنائم أهل