أنفسهم ، فلم يذكروا منه شيئا لمن حضر في السقيفة عند عقد البيعة ، ولا يمكن أن يخفى أمره عليهم ، أو يغفلوا عنه ، مع طول التنازع والاختلاف بينهم في أي منهم سوف ينالها ، كما لا يمكن أن يخفى أمره علينا وقد حدثنا التاريخ الصحيح بكل ما جرى في السقيفة ، ولم يهمل التاريخ منه شيئا ، ولم يغفل عن تسجيله ، وذكر ما حدث فيها ، كاملا غير منقوص ، ولم يذكر التأريخ لنا رغم إحصائه كل شاردة وواردة فيها أن تقدمهم على غيرهم من أصحاب رسول الله (ص) كان لأجل فضل فيهم مفقود في غيرهم ، فالقول بذلك لا يعتمد على دليل ولا يسنده شيء من البرهان.
ثانيا : لو كان لهم (رض) فضل يمتازون به على غيرهم ، كما تدعون ، وخفي علينا علمه ، ولم يخف عن أهل عصرهم لوجب أن تتواتر فيه الأحاديث وتنقله حملة السيرة والآثار ، بل لظهر إلى درجة القطع واليقين عند المسلمين أجمعين لا سيما إذا لاحظتم أنّ جميع الدواعي إلى إذاعة فضائلهم متوفّرة في حكاية ما كان لهم ، لو كان ممّا يوجب الإجلال لأشخاصهم ، والتعظيم لذواتهم ، والموانع زائلة عن التحدّث بها لمن وجد شيئا من ذلك.
ألم تروا أنّهم كانوا أمراء على الناس في عصورهم ، وكانت السلطنة بيدهم ، والسلطة على الجميع لهم ، وكان مظهر والولاء لهم ، والمقرون بخلافتهم ، والمعترفون بإمامتهم في زمانهم وما بعده إلى يومنا هذا. هم ظاهرين ومسيطرين على من خالفهم وعارضهم ، وكان المعروفون بعداوتهم مهدوري الدماء ، والمتهمون بها خائفين مطرودين من البلاد ، ومشرّدين في الأمصار ، ومن ظنّ به بغضهم (رض) أخرجوه من الدنيا ، وألحقوه بالآخرة ، واستخفّوا بعقيدته ودينه ، بل كان القتل عندهم لمخالفيهم (رض) سنّة فيمن أظهر الولاء لعلي بن أبي