قال : يقول خصومكم : إنّ الحديث وإن كان صحيحا ، ورجال سنده كلّهم ثقات وحجج ، إلّا أنّ الإمامة عندكم من أصول الدين ، وأنتم لا تحتجون على إثباتها إلّا بالمتواتر من الحديث ، والحديث المذكور لا يتعدّى مرتبة الآحاد ، كما أنّه مخصوص في عشيرته ، وبني عمومته ، فلا يتناول الخلافة العامّة التي يدور البحث حولها ، وربما يقال لكم بأنّه منسوخ لإعراض النبي (ص) عن مفاده؟.
قلت : لقد أشرنا إلى هذا فيما تقدم ، وقلنا بأنّه لما كان أهل السنّة يحتجّون بكل حديث صحيح عندهم في إثبات الإمامة سواء أكان متواترا أو من آحاد الخبر ، جاز لنا أن نحتج عليهم في إثباتها بهذا الحديث الصحيح إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم من صحة مثل هذا الاحتجاج ، كما إنّا أشرنا إلى أنّ مورد الحديث وإن كان مخصوصا بعشيرته وبني عمومته ، إلّا أنّه يتعدى إلى غيرهم بالأولوية القطعية ، ولأنّ كل من قال بأنّه (ع) خليفة في بني عمومته وعشيرته ، يقول بخلافته العامّة ، وكل من ينفي خلافته العامة ينفي خلافته الخاصّة ، وليس هناك من يقول بالفصل إطلاقا.
والغريب قول القائل بنسخ الحديث دون أن يتفطن إلى استحالته وبطلانه ، لأنّه من دعوى النسخ قبل حضور وقت العمل ، واستحالته عند العلماء كاستحالة اجتماع النقيضين معلوم البطلان.
وأمّا تعليله ذلك بإعراض النبي (ص) عن مفاده ، فعليل لأنّ النبي (ص) لم يعرض عن مفاده ، بل أكّده بنصوصه الكثيرة البالغة حدّ التواتر كما ألمعنا ، لو فرضنا جدلا أنّه لا نصّ بعد هذا النصّ الجليّ فمن أين يا ترى علم هذا إعراض النبي (ص) عن مفاده؟ وأمّا إعراض أصحاب السقيفة عن مفاده ، واجتهادهم في خلافه ، فلا يصح قطعا