فلو كان المستند دليلا قطعيا من قرآن أو سنّة متواترة يكون الإجماع مؤيدا ومعاضدا له؛ ولو كان دليلا ظنّيا كما مثلناه ، فيرتقي الحكم حينئذ بالإجماع من مرتبة الظن إلى مرتبة القطع واليقين.
ومثله ما إذا كان المستند هو المصلحة أو دفع المفسدة ، فالاتّفاق على حكم شرعي استنادا إلى ذلك الدليل يجعله حكما شرعيا قطعيا ، كزيادة أذان لصلاة الجمعة في عهد عثمان لإعلام الناس بالصلاة كي لا تفوتهم ، حتّى صار الأذان الآخر عملا شرعيا إلهيا وإن لم ينزل به الوحي (١).
فلو صحّ ذلك فقد أعطى سبحانه للإجماع واتّفاق الأمّة منزلة كبيرة على وجه إذا اتّفقوا على أمر ، يصبح المجمع عليه حكما شرعيا قطعيا كالحكم الوارد في القرآن والسنّة النبويّة ، ويكون من مصادر التشريع.
يلاحظ عليه : أنّه لو كان الإجماع بما هو هو من أدلّة التشريع وأنّ الدليل الظني ببركة الإجماع يرتقي إلى مرتبة القطع واليقين ويكون حجّة في عرض سائر الحجج ، فمعنى ذلك أنّ التشريع الإسلامي لم يختتم بعد رحيل الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنّ هناك نبوة بعد نبوّته ، وهو على خلاف ما اتّفق المسلمون عليه من إغلاق باب الوحي والتشريع واختتام النبوة ، فلا محيص عن القول إلّا بالرجوع إلى ما عليه الشيعة الإمامية من أنّ الإجماع كاشف عن الدليل الصادر عن الصادع بالحق صلىاللهعليهوآلهوسلم كما أنّ حجّية العقل في
__________________
(١) الوجيز في أصول الفقه لابن وهبة : ٤٩.