وقد كان مشهورا عندهم أنّ الصحابة سوّغت للتابعين المعاصرين لهم الاجتهاد معهم في الوقائع الجارية في عصرهم ، كسعيد بن المسيب وشريح القاضي والحسن البصري ومسروق وأبي وائل والشعبي وسعيد بن جبير وغيرهم ، ولو كان قول التابعي باطلا لما ساغ للصحابة تجويزه والرجوع إليه.
والاعتراض : أنّ الاجتهاد إنّما سوّغوه للتابعين عند اختلاف الصحابة ، ولا يلزم من الاعتداد بقوله عند الاختلاف الاعتداد به عند الاتّفاق ، وأيضا الصحابة مع التابعين المجتهدين بعض الأمّة وبعض المؤمنين فلا تتناولهم الأدلّة.
احتجّ الآخرون بوجوه : (١)
الأوّل : قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(٢) وإنّما يرضى عنهم لو لم يقع منهم معصية ، والقول الباطل معصية ، فيكون قولهم حجّة.
الثاني : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي» ، [وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :] «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ، [وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :] «لو أنفق غيرهم ملء الأرض ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم» وهو يدلّ على أنّ التابعي إذا اختلف لم يكن محقّا.
__________________
(١) ذكر هذه الوجوه أيضا الرازي في المحصول : ٢ / ٨٤ ؛ والآمدي في الإحكام : ١ / ٣٠١.
(٢) الفتح : ١٨.